الإمارات نحو دبلوماسية التحرر بدلا من التمحور


أدركت دول المنطقة، الواحدة تلو الاخرى، بضرورة تحرّر سياساتها، من الاملاءات الامريكية والاخرى، وبدأت تتبنى مبادرات انفتاح وتواصل في ما بينها، تتجاوز عقبات و مساوئ و مواقف الماضي .
وقد تكون دولة الامارات العربية المتحدة خير مثال و نموذج لدبلوماسية التحرّر والانفتاح في سياستها الخارجية ، وقد تقدّمت على قطر في هذا التوجّه .
لم تترّدْد الامارات في مفاجئة الجميع بعلاقات علنيّة ،عميقة ومتنوعة و متطورة ، مع اسرائيل، قد تتفوّق على علاقاتها مع اشقائها العرب !
لم تعرْ الامارات في مسيرتها تجاه اسرائيل ايَّ اهتمام ومراعاة لما تبقى من الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية، ولا للعمل العربي المشترك او الخليجي المشترك تجاه اسرائيل، فهي ( اي الامارات ) تعدّتْ حدود التطبيع ،التي بلغتها بعض الدول العربية.
تحرّرت الامارات من كل الاعتبارات العربية و الاقليمية ( ايران) في مسيرتها تجاه اسرائيل ، ولمْ تخشْ عتب او غضب الاشقاء او الاصدقاء او الجيران.  فمسؤولوها وبأرفع المستويات يتناوبون في الزيارات لاسرائيل ولأيران . وتُعيد الامارات علاقتها مع سوريا ، وتطورّها مع الصين ، غير مكترثة بالتحذير الامريكي .وقريباً سيّلبي الشيخ محمد بن زايد دعوة الرئيس اوردغان لزيارة تركيا .

هل ستتخطى الامارات ،في تحركاّتها هذه عتبة لبنان ،أمْ تلتزم سياسة الحصار الامريكي والخليجي المفروضة عليه ؟

الانفتاح الاماراتي تجاه سوريا وتجاه تركيا والزيارات لايران رسائل للجميع مفادها بأنَّ انفتاح الامارات ليس حكراً على اسرائيل، وانما تجاه جميع دول المنطقة ، وأنَّ الامارات تحرّرت ليست فقط من عُقدة التواصل رسمياً وعلناً مع اسرائيل ، وانما تحرّرت ايضاً من عُقدة الاخوان المسلمين تجاه تركيا ، ومن عقدة التواصل مع الحكومة السوريّة ، وان العلاقات الاماراتية الاسرائيلية لن تقف حائلا امام ارادة الامارات في تطوير علاقتها مع ايران .

هل تريد الامارات القول بأنَّ التطبيع مع اسرائيل لا يحُولُ دون علاقات ايجابية مع خصوم و اعداء اسرائيل، وا قصد ايران وسوريا و العراق، وهل ستقّدم الامارات نموذجاً للدول التي تنتظرُ التطبيع ؟
قرأت الامارات جيداً التحولات الاستراتيجية التي يمّرُ بها العالم ، فسارعت الى تبني سياسة التّحرر من تحديات و عقبات التواصل والتراضي مع الجميع و التعايش أيجابياً مع معهم. فما هي هذه التحولاّت ؟
أولها وأهمّها هي وصول امريكا الى حالة “الرجل المريض” . أدركت دول المنطقة وكذلك الكيان الاسرائيلي رفع امريكا يدها عن المنطقة، وبدأت (وأقصد دول المنطقة والكيان الاسرائيلي) بالتمرّد على الاملاءات الامريكية.  ها هي اسرائيل،مثلاً، ترفض الإمتثال لطلب امريكي يدعوها الى الكف عن ممارسة نشاطات تخريبية واستفزازية ضد المصالح والمؤسسات الايرانية، حسب ما نشرته جريدة نيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ ٢٠٢١/١١/٢٢.
كرّرت الامارات توجهها نحو اسرائيل في مبادرتها تجاه سوريا وفي تعاونها الاقتصادي مع الصين. وكانت ايران اول دولة في المنطقة تقف سياسياً وعسكرياً بوجه امريكا ، وتتعامل معها بالندّية ، وتقصف معسكراتها وتسقط طائرتها العمالقة وتأسرُ بواخرها . كذلك تركيا ، التي لم ترضخ لاملاءات امريكا بعدم اقتناء منظومة الصواريخ الروسيّة المتطورّة.
لن يعُدْ امام دول المنطقة حل ومخرج غير سياسة الانفتاح على بعضها البعض، والتعاون مع بعضها البعض. فشلتْ حملة الارهاب والتآمر والحصار والحروب والعقوبات لاخضاع بعض الدول ، كما ادركت دول المنطقة، بأنَّ الحفاظ على امنها وسيادتها لا يتّمْ الاّ من خلال احترام الجغرافية السياسية للمنطقة ، وخلق توازن سياسي لمعالجة الفارق العسكري والسكاني و الاقتصادي بين دول المنطقة.