التأثير الإستراتيجي لتحديات الأمن السيبراني
هناك العديد من التحديات التي تواجه الأمن والأستقرار والازدهار العالمي في السنوات العشر القادمة ؛ ومع تنامي الاعتماد بشكل كبير على التكنولوجيا وسرعة انتقال المعلومات، يبرز مفهوم الأمن السيبراني كأحد أهم هذه التحديات على المستوى الإستراتيجي لما له من تأثير وطني ودولي.
تتخذ الدول تدابير دائمة ومتطورة من أجل ان تكون مستعدة لمواجهة مخاطر التهديدات السيبرانية على بنيتها التحتية ضمن فضاء معلوماتها الرقمية وما يرتبط بنشاطاتها على مواقع الشبكة العنكبوتية العالمية، والتي تستدعي تعزيز وتعضيد مقومات ترسانتها الالكترونية بالاعتماد على عناصر قوتها الوطنية وبالمشاركة مع القطاع الخاص لتفادي عواقب الإضرار بمصالحها الاستراتيجية ومرتكزات أمنها القومي.
تخصص الدول الموارد المالية وتركز بشكل كبير على تطوير قدرات كوادرها البشرية العاملة في هذا القطاع الحديث والدائم التطور من أجل تعزيز دورها الدولي والأقليمي، وبما يضمن توفير بيئة صحية آمنة وملائمة لتشجيع الاعمال وجلب رؤوس الاموال والاستثمارات خدمة لمصالح شعوبها وتأكيدا على دورها في تحقيق الامن والاستقرار والازدهار على المستوى المحلي و الدولي في ضل عالم غامض ونظام دولي معقد، مرتبط بشكل كبير عبر شبكة عنكبوتية دولية، خلف شاشة الكترونية تُظهر لنا كماً هائلاً من البيانات والمعلومات الشاملة لقضايا آنية ومستقبلية ذات بعدِ عملياتي وآخر إستراتيجي.
قبل الخوض في تأثير التحديات الإستراتيجية لقضايا وتحديات الأمن السيبراني، لابد من توضيح معاني بعض المصطلحات للقراء والمهتمين بهذا القطاع الحيوي والإستراتيجي المهم.
يُعرّف مصطلح “الاستقرار العالمي” بأنه “خاصية النظام الذي لا ينتج عند حصول اضطراب طفيف في حالة ما داخله، تأثيرًا مقلقاً للغاية او مهددا لوجوده”.
في المقابل ، يوصف “الأمن العالمي” بأنه مجموعة الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدول والمنظمات الدولية عندما تواجه تهديدات عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية.
فيما يتعلق “الرخاء العالمي” بتحسين الحالة الاقتصادية للدول لتعزيز أمنها القومي وتحسين ظروف الحياة للمواطنين وبما يسهم في تعزيز مقومات الامن والسلام العالمي.
يناقش هذا المقال تحديات “الأمن السيبراني” من حيث إستخدام الإنترنت والتهديدات والمخاطر الناتجة عن حملات التخريب والتجسس والتعطيل أو الإتلاف ؛ ومراجعة الفضاء الإلكتروني والسياسات الحكومية بهذا الصدد.
يعيد الفضاء الإلكتروني تشكيل السياسة والاقتصاد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. حيث تعتمد العديد من هذه المجتمعات والشركات على التشغيل المستمر للآلات الرقمية لتقديم الخدمات الهامة مثل المستشفيات والتمويل والاتصالات وغيرها من الأغراض العسكرية والمدنية. ونتيجة لذلك، يواجه مستخدمي الإنترنت العديد من التحديات، الامر الذي يتطلب استجابة أمنية على اعلى المستويات لمواجهة تلك التحديات و تقليل المخاطر الناجمة عنها.
إن مفهوم “الأمن السيبراني” بات يعدُ مصطلحاً حديثاً ماضٍ بالتطور على نحو سريع للغاية. وفيما يهتم بحماية الفضاء الإلكتروني من تهديدات الجريمة الإلكترونية والإرهاب السيبراني والهجوم الإلكتروني من قبل الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية، فأنه يتعامل مع حماية الشبكات وأنظمة الكمبيوتر من الهجمات التي يمكن أن تعرض الأجهزة أو البرامج أو المعلومات للخطر، سيما وان هذه الهجمات قد تؤدي إلى تسريب معلومات خاصة ، فضلاً عن إلحاق الضرر أو خلق الفوضى لزعزعة الاستقرار والدفع بأتجاه زيادة الاضطراب على مختلف الاصعدة ” سياسياً، أمنياً، إقتصادياً وعسكرياً”
على الرغم من الفرص الجديدة التي أوجدها الابتكار السيبراني والتي ساهمت بشكل كبير في دفع عجلة التطور التكنولوجي ، إلا أنه ينطوي على مخاطر أمنية كبيرة، لعل أعظمها هو “أمن المعلومات” (البعض الآخر هو إدارة المخاطر ، والتنظيم ، وإدارة البنية التحتية ، والتعافي من الكوارث). يقول “كافيلتي وفينجر” إن “سياسة الأمن السيبراني معنية بسوء تطبيق التقنيات الرقمية من قبل الأفراد والشركات والحكومات ، للأغراض السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. وهي تشمل من يطور التكنولوجيا وكيف يتم استخدامها ومن يحدد أطر استخدامها أو إساءة استخدامها”.
في ضوء ما تم ذكره، فلابد من النظر الى مفهوم الفضاء الإلكتروني وحملات التخريب والتجسس والتعطيل أو الإتلاف وتأثيرها الاستراتيجي على الأمن القومي.
“يُعَرَّف التعطيل أو الإتلاف” بأنه عمل خبيث ومتعمد يؤدي إلى تعطيل المهام الروتينية والميزات والقدرات الالكترونية، بما في ذلك إلحاق الضرر بالمعلومات والمعدات أو تدميرها.
أما “التجسس السيبراني” فهو عملية الحصول على المعلومات (السياسية والعسكرية) والأسرار دون إذن من المالك، للحصول على ميزة التفوق على الأفراد والمنافسين والجماعات والحكومات. ويتم تنفيذ عمليات التجسس السيبراني من خلال خوادم بروكسي ، وبرامج ضارة ، وفايروسات وديدان، وأحصنة طروادة ، وبرامج تجسس. حيث يكون الجناة هم عصابات الجريمة المنظمة ، أو الحكومات ، أو الأفراد.
ويعرف ” التخريب” بأنه “الأنشطة التي تهدف إلى التأثير على السياسات المحلية للبلد المستهدف”. و في الحرب السياسية ، يقوض التخريب السيبراني قوة وسلطة النظام السياسي أو مؤسسات الدولة، ويهدف إلى تحقيق تأثير استراتيجي دون استخدام القوة.
تعمل الحكومات بشكل متزايد على جعل الأمن السيبراني جزءًا من صنع سياساتها الأمنية الوطنية والدولية لأنها تسعى إلى حماية نفسها من المخاطر والتهديدات التي قد تزعزع استقرار أمن الدولة واقتصادها. ومن هنا تبرز الحاجة الى إبرام الاتفاقيات وتعزيز وتطوير البروتوكولات مع مجتمعات الأعمال والوكالات الدولية حول ” تحديد الأدوار والمسؤوليات والحدود القانونية وقواعد السلوك المقبولة”. على سبيل المثال ، ولأسباب تتعلق بالأمن القومي ، استبعدت الحكومة البريطانية شركة Hauwei المملوكة للصينيين من شبكة 5G البريطانية.
عموماً في المجتمعات الغربية ، لا يزال التقدم الرقمي مدعوماً بالشركات الخاصة ، في حين تنظم الحكومات عملياتها وتسعى لتطوير إمكانياتها وقدرات كوادرها المتخصصة؛ وتشريع قوانينها المنظمة لأوضاعها الالكترونية وتعزيز وعي مواطنيها وثقافتهم المعرفية.
لقد أصبحت الهجمات الإلكترونية جزء من الحياة اليومية ؛ ومن المفارقات ، أنه كلما زاد عدد أماكن العمل والحكومات رقمنة ، كلما أصبحت أكثر عرضة للإصابة. وبالتالي ، فإن أجهزة الأمن القومي المتخصصة ستشارك بشكل متزايد في تحديد ومواجهة الاثار الاستراتيجية لقضايا الأمن السيبراني ضمن إستراتيجياتها التي تربط التكنولوجيا الرقمية بالسياسة العامة للدولة من حيث التنظيم والحوكمة.
من المؤكد أن أجتماع البشر والتكنولوجيا معًا في بيئة إلكترونية مستقبلية سيؤدي إلى نتائج إيجابية وسلبية. وبالتالي، سيحتاج الأمن السيبراني والتنظيم والحوكمة الرقمية إلى إعادة تقييم منتظمة وتوسيع لدوائر البحث والتطوير والمتابعة على نطاق أكبر، لمواكبة عجلة التطور و ما تحمله من فرص ونقاط ضعف ومخاطر وتحديات. الامر الذي يتطلب نهجًا تعاونيًا متعدد الجوانب من قبل الحكومات لتحسين الاداء وتعزيز الأمن والاستقرار وبناء الثقة بين المجتمعات.
المصدر: ألواح طينية
التعليقات