حقوق الإنسان وحرية الضمير في البلدان العربية (2)


في العصر الحديث لم تصل قضية التنوير إلى نتائج حاسمة، هذه النتائج التي كانت في البداية الحقيقية لشعوب أخرى للولوج إلى عصرها كقوى فاعلة فيه حين انفصل الدين عن الدولة وعن الثقافة وأخذ كل منها يمارس سلطته المستقلة في ميدانه دون عدوان على الآخر، لكن أين حقوق الإنسان من كل ذلك؟

لقد جاهدت الثقافة كثيراً في نهاية القرن الماضي، بالتالي من الجدير القول بوجوب الفصل بين الدين وسلطة الدولة وتحرير الفكر ليؤدي دوره بغسل العقول من الاستسلام للدجالين وقوى الظلام المستغلة للدين، فمع انعدام حقوق الإنسان والديمقراطية وحجب وسائل التعبير الحر في المجتمع، وخلت الساحة إلا من المتكلمين باسم الدين واستغلاله لأغراض خاصة تصب في حيّز التعصب والاستغلال والرجعية، وكادت تتوقف حركات المثقفين بعد أن برزت رقابة كهنوتية كتلك التي فرضتها بعض الأديان والمذاهب في القرون الوسطى، وتفرضها إلى الآن في بعض الدول، وهو ما يتناقض تناقضاً صارخاً مع أصول الإسلام التي تعارض إقامة مؤسسة أو سلطة دينية تتحكم في الناس وتتغلغل داخل الأفكار والمقاصد وتحاول مد وصايتها الدينية حتى تشكل كل شيء يتعلق بالفكر والاعتقاد وحق فرض السلوك الاجتماعي الساذج والمتعصب والبعيد عن روح الدين والمعرفة الراقية.

ومع تنبيه بعض المتنورين ضمن المجال الضيق والمتاح من حقوق الإنسان وحرية التعبير ضد هذا الاتجاه الظلامي، فإن هذا الاتجاه يمتسح السلوك العام في أوساط واسعة من الشعب كما هو ملاحظ من الممارسات اليومية، على كافة مناحي الحياة، ففي البلدان العربية والإسلامية وإن وجدت في بعضها نصوص دستورية تقول بحرية الأديان والمعتقدات، فإن هذه النصوص لا تحمي سوى ممارسة أصحاب الديانات لطقوسهم دون أن يتاح بموجبها وبموجب القوانين النافذة إعمال الفكر والعقل في أمور الدين.

ويؤكد المفكرون والعقلانيون، أن التيارات اللاعقلانية غزت السلطة السياسية لأن العقل فهو يناهض السلطة ويكشف اللاشرعية ويطالب بالحقوق وبالأخص حقوق الإنسان وينادي بالحرية، فسيادة العقل كشف للأوضاع الزائفة واستعادة للحقوق جميعها، وهي وحدها تجعل الحوار ممكناً بين الظالم والمظلوم، بالتالي إن الحرية الدينية من الممكن القول إنها معدومة في بلادنا العربية والإسلامية لأن الدساتير والقوانين فيها تحمي الطقوس فقط وتحمي السلطان.

أخيراً إن حرية الضمير والتفكير المنفرد وحماية حقوق الإنسان وحقه في التعبير بمنطقي العقل والعلم فمحظور هذا الأمر، لذلك تبقى النصوص المستعارة في الدساتير والقوانين إن وجدت نصوص فارغة من أي مضمون واقعي.

المصدر: الوكالة العربية للأنباء