القضاء .. للأقوى


جرت سنن التاريخ، ان يكون الناس على دين ملوكهم، وان ما يرتضيه الملك، او الخليفة، او الحاكم، وما يرغب فيه وما يراه صحيحا، هو الذي يسود، مهما بلغت حدة المعارضة، فهو الذي يمتلك مقومات القوة، من جيش وسلطة ومال وشرعية، يمنحها له عادة من يدور في فلكه، من العلماء والقضاة والقادة.
ولنا في تاريخنا العربي والاسلامي، نماذج تنطبق عليها هذه المعادلة، فقد كلف المنصور الدوانيقي مالك ابن انس، ليكتب له كتابا يكون مرجعا للقضاء والشرع، من اجل استبعاد دور الامام الصادق (ع )، ومذهب اهل البيت، الذي كان يشكل تهديدا على شرعية حكمه، فرضخ مالك وكتب الموطأ، فصار مالك اماما، وما كتبه مذهبا يتعبد الناس به الى يومنا هذا، وكذلك ما جرى في عهد هارون العباسي، الذي فرض أبو يوسف قاضيا أوحدا، وهذا بدوره فرض ان لا يتم الاعتماد الا على رأي استاذه ابو حنيفة،واستبعد الامام الكاظم (ع)، ومذهب اهل البيت مرة اخرى، فصار ابو حنيفة اماما لاهل السنة، وصار ما يروى عنه مذهبا، تتعبد به ملايين المسلمين الى يومنا هذا.
وهكذا توالت احداث مشابهة تحولت الى مقدسات، لان الحاكم امر بها وفرضها على رعيته، فالقضاء للاقوى، ولصاحب السلطة، ومن بيده مقاليد الامور، والناس على دين ملوكهم، تتلقف ما يصدر عن الحاكم، دون ان تتعب نفسها بالبحث عن الحقيقة. 
في خضم معارك الحرب العالمية الثانية، والقصف الرهيب الذي كانت تشنه طائرات هتلر على بريطانيا، جمع رئيس الوزراء ونستون تشرشل، وزراءه ليسألهم عن تداعيات القصف، على مؤسسات الدولة، فسمع كلاما مروعا عما يجري في بريطانيا، ولكنه التفت الى وزير العدل، وسأله هل القضاء بخير، وهل ان القضاة يحكمون بالعدل، فقال الوزير نعم مازال القضاء بخير، والقضاة على ما هم عليه من النزاهة، فقال تشرشل، اذا كان القضاء بخير فان بريطانيا بخير، وستعود قوية كما كانت رغم جراحات الحرب.
ولا يمكن فصل ما يجري في العراق، عن هذه السنن التاريخية، فها هو القضاء يحكم كما يشتهي الاقوياء، فيلوي عنق الدستور والقوانين، حسب نظرية داروين المشهورة، التي تقول ان البقاء للاقوى، وبما ان موازين القوى باتت تميل الى طرف معين، فلابد ان تنسجم القرارات، مع ما يريد هذا الطرف دون الاخر، ولكي يحمي القضاة انفسهم، ويتجنبوا ان يكونوا فريسة أهواء، قد تنهي وجودهم المهني أو الشخصي، فيما لو كانت احكامهم خلاف ما يرتضي الاقوى.
اما المتضررون فلا عزاء لهم ، لأنهم ان اعترضوا او لم يعترضوا، ستكون النتيجة واحدة،
 فالقضاء للأقوى.