القيم السومرية


منذ بداية الانتقال الى الزراعة قبل حوالي ١٢ الف سنة، وبدء تكون "القرى" او المجتمعات الزراعية البسيطة، ظهرت الحاجة الى القواعد الاخلاقية والقانونية التي تنظم حياة تلك القرى والمجتمعات البسيطة. ولعل هذا التطور هو ما تشير اليه الاية ٢١٣ من سورة البقرة في القران الكريم حيث تقول:"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ"، حيث تشير عبارة "كان الناس امة واحدة" الى المرحلة التي كان الانسان يقتات فيها على ما يجمعه من ثمرات الارض في الغابات وغيرها، وهي المرحلة التي يطلق عليها بعض الباحثين "مرحلة الفطرة" او "الطبيعة"، قبل ان يبدأ بالانتاج الزراعي. وقد فسر السيد محمد باقر الصدر هذه الاية بقوله:"ان الناس كانوا امة واحدة في مرحلة تسودها الفطرة وتوحد بينها تصورات بدائية للحياة وهموم وحاجات بسيطة. ثم نمت - من خلال الممارسة الاجتماعية للحياة- المواهب والقابليات وبرزت الامكانيات المتفاوتة واتسعت افاق  النظر وتنوعت التطلعات وتعقدت الحاجات فنشأ الاختلاف وبدأ التناقض بين القوي والضعيف واصبحت الحياة الاجتماعية بحاجة الى موازين تحدد الحق وتجسد العدل وتضمن أستمرار وحدة الناس في اطار سليم".
وادى ذلك الى بداية ظهور "السلطة الاجتماعية"، قبل ظهور السلطة السياسية او الدولة، حيث كانت السلطة تمارس من قبل جميع الاطراف فيما يسميه جاكوبسن "الديمقراطية البدائية"، التي نشأت في بداية الامر في قرى وادي الرافدين. وربما هذا هو ما دعا هوبز وجان جاك روسو ولوك وفيلمر الى افتراض نظرية العقد الاجتماعي في تفسير ظاهرة نشوء الدول في التاريخ. واغلب الظن ان هؤلاء لم يكونوا على اطلاع على تطور المجتمع البشري في وادي الرافدين وظهور الدول فيه. وقد تم هذا بفعل تطور طبيعي في حياة المجتمع بالانتقال من مرحلة جمع الثمار الى الزراعة الى السلطة الاجتماعية الى السلطة السياسية واخيرا قيام دول المدن. وهذا التطور الطبيعي ليس بحاجة الى افتراض العقد الاجتماعي المتخيّل.
واغلب الظن ان ظاهرة الانبياء بدأت في هذا الظرف، حيث بدأ اشخاص بدعوة الناس الى التقيد بالقيم السلوكية التي يحتاجها المجتمع لتحقيق الاستقرار والسلام والخير والعدل في المجتمع. واخذت هذه القيم بالتراكم والاتساع لتغطية مختلف مجالات الحياة، سواء على يد الانبياء او الحكماء او الحكام الذين بدأوا بالظهور مع تكون السلطة السياسية وقيام دول المدن في وادي الرافدين واولها اريدو. والملفت ان وثيقة "ثبت الملوك السومرية" تشير الى "نزول الملوكية من السماء" وهي اشارة واضحة الى ادراك كتاب الوثيقة لدور "الدين السماوي" في تنظيم تلك المجتمعات. ولعل هذا هو ما يشير اليه القران في قوله:"وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ". وكانت قيم الدين و العدل والحرية وسيادة القانون فضلا عن الديمقراطية بشكلها المجلسي من ابرز عناصر منظومة القيم المذكورة. وتحفظ الوثائق السومرية والبابلية والاكدية والاشورية الكثير من النصوص التي تحتوي على عناوين هذه القيم. وفي تطور بارز اخذت منظومة القيم تتجسد على شكل لوائح قانونية وتشريعات. ويرى بعض الباحثين "أن ضمانات تحقيق العدالة في حضارة وادي الرافدين يمكن ردها إلى مبدأ خضوع الحاكم لسيادة القانون ، والقضاء". وهذا من اسس الدولة الحضارية الحديثة. و "هذا المبدأ كان معمولاً به في العراق القديم فإذا كان الملوك هم الذين يصدرون القوانين وإذا كانت أوامرهم وكلماتهم هي القانون فان خضوع سلطانهم كان مقيداً بقواعد العدالة". وسجل لنا تاريخ العراق القديم إصلاحات اوروكوجينا حاكم مدينة لكش. والمعروف أن إصلاحات اوروكوجينا هي الوثيقة الأولى في تاريخ البشرية التي وردت فيها كلمة الحرية. وهناك قانون اشنونا، المدون  باللغة السومرية والاكدية ،  ويتضمن حقوق الإنسان في العراق القديم. و قانون لبت عشتار الذي  أصدره الملك لبت عشتار  والذي استمر حكمة في الفترة (1924 – 1934 ق.م ). وقانون اورنمو الذي أصدره الملك السومري اورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة ( 2003-2111 ق.م ) واخيرا قانون حمورابي المعروف بمسلة حمورابي الملك البابلي  الذي حكم بابل بين عامي 1792 - 1750 ق م.