الامة الاسلامية التحديات والانتصارات
• الامة الاسلامية والقضية الفلسطينية المركزية
بعد ان اضحت القضية الفلسطينية وجدانية عقائدية انسانية عادلة ودخلت في وجدان الامة من المسارب السبعة التي ذكرناها في الحلقة السابقة (مكانة القدس والوعي التاريخي للصراع وطبيعة الشخصية اليهودية الغادرة وجمع اليهود بعد وعد بلفور والاحتلال والعدوان والمجازر والتهجير والروابط الاسلامية مع الشعب الفلسطيني المسلم) تأتي الملاحظة في مسيرة الامة للقضية الفلسطينية والهزائم التي عانى منها رؤساء العرب والتحدي الصهيوني المستمر وعملية الاستسلام والخضوع والتطبيع مع الكيان الغاصب اين دور الامة الاسلامية في هذه المسيرة؟ وهل كانت الامة الاسلامية غائبة او مغيبة وما هي الظروف التي افقدتها دورها؟
ما هو الجديد في مسيرة القضية الفلسطينية لتقود الانتصار وتحرج العالم والانظمة في التعاطي معها؟
ان الاجابة على هذه الاسئلة تأتي من خلال طرح رؤية تاريخية لتكون مقدمة لدراسة القضية بكل ابعاد قائمة على تحقيب سير الامة وظروفها واحوالها وحكامها وظهور مستجدات في الساحة الاسلامية التي انتجت المقاومة لتقود الانتصار ويمكن اجمالها في الحقب التالية :
1- بدأت ملامح الحقبة الاولى من القرار الصهيوني في المؤتمر الخامس في بازل عام 1901 لشراء الاراضي الفلسطينية لتصبح وقفاً لليهود وتوظيف اليهود فقط في الاستثمارات الصهيونية وعلى هذا الاساس وصلت دفعات من الصهاينة الى فلسطين حتى عام 1914 للعمل والاستثمار حوالي 40,000 يهودياً لتكون نسبة اليهود 6% وادعاء ان فلسطين فارغة من السكان ثم قام الصهاينة بتأسيس مدينة تل ابيب عام 1909 ومخصصة لليهود فقط.
في هذه الحقبة كانت الخلافة العثمانية مترهلة الادارة ولا تدرك المخاطر وغير قادرة على وعي ومعرفة المخاطر التي تحيط بالأمة وتعيش اوج صراع الحركة الدستورية والنقاش على موقع الخليفة في الدولة وتشهد تصفيات بين الدستوريين وانصار الملك .
امام الامة فقد كانت متوسة التراب وتعيش البؤس والحرمان والفقر والجهل وتنامي الشعور القومي والمطالبة بالحقوق ورواج الهويات الفرعية الموزعة على طول الخلافة العثمانية وعرضها ولم تشعر في عمل الصهاينة في هذه المرحلة يعني امة منحدرة منفصلة بعضها عن البعض ولم تلحظ ما يجري في فلسطين حتى يكون لها موقف .
2- عند اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 تعاني الامة من انقسام وضياع وصارت في مواجهة الدول الاستعمارية المحتلة ومن مظاهر الانقسام في الامة اعلان الثورة العربية ضد الدولة العثمانية عام 1916 والدعوة للاستقلال المقاطعات العربية التي تخضع للحكم العثماني .
واتفاقيات الحماية البريطانية مع امراء الخليج في عمان والامارة العربية المتصالحة والبحرين وقطر والكويت وآل سعود .
وحركة الجهاد في العراق عام 1914 للدفاع عن البلاد الاسلامية ومحاربة الكفار .
وفي جانب اخر كانت ايران تعاني من تمدد الروس من الشمال وتقدم الانكليز من الجنوب والشاه القاجاري لاحول له ولا قوة .
مسلمو الهند قبل التقسيم وافغانستان تحت الاحتلال البريطاني .
اما مصر والسودان فتحت الاحتلال البريطاني وليبيا الاحتلال الايطالي والمغرب العربي تحت الاحتلال الفرنسي والاسباني .
وتقدمت فرنسا لأسقاط الامارات والدول الاسلامية في مالي والنيجر وتشاد والسنغال وساحل العاج وهكذا فأي امة تعي مخطط اليهود واي موقف يمكن ان يصدر منها وهي ترزح تحت الاحتلال وتعاني الانقسام ومضطربة الحال .
فاصبح العالم الاسلامي على اساس ما جاء في اتفاقية سايكس بيكو مقسمة بين الدول الاستعمارية وذهب الوعود للشريف حسين ادراج الرياح .
3- وعد بلفور عام 1917 وتعهدت بريطانيا بأنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وتنفيذاً هذه التعهدات قامت باحتلال فلسطين عام 1918 واستقبال الموجة الثالثة للمهاجرين اكثر من 35,000 يهودياً لتزداد نسبتهم سنة 1919 الى 12% ملكية الارض الى 3% اي ان اليهود اخذوا يقضم اراضي فلسطين وطرح فلسطين دولة يهودية .
ولم نجد ردود فعل اتجاه القضية الفلسطينية على مستوى الامة سوى بيانات هنا وهناك يطلقها بعض شيوخ الازهر مثل الشيخ محمد مصطفى المراغي والشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبد المجيد سليم ومجمد شلتوت وخطابات وبيانات الشيخ عبد الكريم الزنجاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في العقد الثالث والرابع من القرن العشرين .
ولم تتحول بعد القضية الفلسطينية الى مستوى اهتمام الامة الغارقة بمشاكلها المعيشية وسيطرة الاحتلال يعني انها تغفو على الهموم وتغط بالنوم
4- طور جديد دخلت القضية الفلسطينية في وعي الامة بحركة عز الدين القسام 1928 الى شهادته 1935 واستمرار ثورته حتى عام 1939 .
عز الدين القسام عالم ازهري من بلدة جبلة في لواء اللاذقية داعية مجاهد ثائر بدأ حركته الجهادية في سوريا لمحاربة الفرنسيين عام 1918 وانتقل الى بيروت ثم صيدا واستقر في حيفيا 1922 اماماً في مسجد الاستقلال وكانت عقلية القسام منصبة على بناء الامة والنهوض بالمجتمع من خلال المدارس التي افتتحها والخطب التي يلقيها في المساجد وبعد ان درس الاوضاع في فلسطين التي كانت تحت الاحتلال البريطاني وزيادة الهجرة اليهودية اعلن ان الاحتلال البريطاني اساس البلاء في فلسطين وهو الذي يرعى اليهود في فلسطين .
واخذ يجوب القرى والارياف والمدن للأعداد للثورة وتكوين تنظيم سري باسم (عصبة القسامية) واتصل بأمين الحسيني لإعلان الثورة فأجابه ان القضية الفلسطينية تحل بالوسائل السلمية اي ان كان القسام يعتمد على الامة والثورة والحسيني والمجلس الفلسطيني يعمل بالطرق السلمية والمفاوضات والبيانات .
واخذت العصبة القسامية بأعداد المقاتلين وتوفير السلاح وتوسيع دائرة الاتصال بالشخصيات وشيوخ العشائر الذي استجابة الامير راشد الخزاعي في عجلون من الاردن فأمده بالمال والسلاح والرجال واخذت مجاميع القسام بشن عمليات على اليهود والاحتلال الانكليزي حتى كانت المعركة التي استشهد فيها عام 1935 تستمر بإعلان الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939) بقيادة الشيخ فرحان السعدي خليفة عز الدين القسام بقيادة الامة .
في هذه المحطة كان اول عملاُ ملهماً للامة للقيام بالثورة حتى اصبح عنوان الثوار للقضية الفلسطينية وتفاعل المسلمون مع هذا الحدث السريع ولم يرتق لمستوى قضية بحجم الامة الاسلامية والقضية الفلسطينية الا بعد حين لأنها كانت جميعها وكلها تحت الاحتلال وقضية الاستعمار .
5- المحطة التالية اعلان دولة اسرائيل وحصول بعض الدول على الاستقلال وان كان شكلياً وخروج الاحتلال البريطاني من فلسطين الى ان تكون دولتين دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية ومن المفارقة في هذا ان جميع الدول الاوربية وامريكا وروسيا اعترفوا بدولة اسرائيل واصبحت عضواً في الامم المتحدة والدولة الفلسطينية لم تحض بالاعتراف وظلت قضية حل الدولتين احد الخدع التي تطلقها الامم المتحدة في اوقات الازمات لحد هذا اليوم .
وفي حرب 1948 قائد الجيش الاردني غلوب باشا البريطاني ودخلت الجيوش العربية ومجاميع المجاهدين من الاخوان المسلمين في معارك عديدة بهزيمة الجيوش العربية امام جيوش اسرائيل المدعومة من بريطانيا والتي تفوقهم بالعدة والعدد حيث كان اليهود جيشهم 107,000 والجيوش العربية لا تتجاوز 20,000 وكان اليهود مدعومين من الجيوش البريطانية.
وكانت نتيجة حرب 1967 هزيمة للجيوش العربية وكذا حرب اكتوبر 1973 ولم يسجل انتصار الا في كعركة السويس التي قامت بها المجاميع المجاهدة من شباب محمد التابع للإخوان بقيادة حافظ سلامة .
ان تلك الاحداث والهزائم المتوالية ادخلت القضية في وجدان الامة وتفاعل المسلمون معها واصبحت جزءاً من خطاب القادة والرؤساء العرب واعتبار القضية الكبرى وخرجت من قضية اسلامية مقدسة الى عربية قومية .
مع هذا تفاعلت معها الامة الاسلامية فقد صدرت الفتاوي من النجف الاشرف وقم المقدسة والازهر الشريف لكن هذه الفتاوي لم تأخذ طرقها الى تعبئة الامة وانما خطابات تمنع الانظمة امتداد اثرها للامة الاسلامية .
فقد اخذت هذه الاحداث الكبرى لوعي الامة والاطلاع وتتبع احداث فلسطين ولكنها لم تدخل ارادة الامة انما خاضعة للخطابات القومية .
6- مرحلة التطبيع مع اسرائيل بعد حرب 1973 التي استمرت حتى ثورة سيف القدس فقد كان اول من سارع للتطبيع الاردن ثم مصر ثم استطاعت اسرائيل للنفوذ للدول العربية بشعاراتها الخداعة كالحوار بين الديانات الابراهيمية وخلق عدو وهمي (الشيعة وايران) ثم صفقة القرن ثم اعلان القدس عاصمة اسرائيل وتسابق حكام العرب للتطبيع والتحقت الجميع بمصر ولله در الشاعر احمد مطر كيف استشرف حال حكام العرب بعد اتفاقية كامب ديفد .
في قصيدته (الثور والحظيرة) التي ختمها بقوله (لم يرجع الثور، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة) فقد التحق بالتطبيع سلطنة عمان والبحرين وقطر والمغرب والامارات العربية وفتحت السفارات الاسرائيلية فيها وبادرت للتطبيع السعودية والسودان وموريتانيا وكذا العراق في طريق التطبيع بعد ان اصبح قائم للأعمال لدولة اسرائيل في العراق غير مقيم فتحت المراكز والمؤسسات في كردستان واعلان السفارة الافتراضية حسب تصريح نتنياهو .
في مثل هذه التطورات وتسارع وتيرة التطبيع اكتمال وعي الامة الاسلامية في فهم ابعاد القضية الفلسطينية وخيانة حكام العرب على طول الخط .
7- الطور الجديد من الصحوة واليقظة الى النهضة والثورة بقيام الجمهورية الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني حيث شهد العالم الاسلامي تحول كبير اتجاه القضية الفلسطينية والقضايا الاخرى فقد شهد الامة صحوة بعد غفوة طويلة أيقظتها الثورة لتعلن قطع العلاقات مع اسرائيل وغلق السفارة في طهران وفتح السفارة الفلسطينية وتسمية الشارع باسم فلسطين ثم اعلنت الثورة ان العدو الاول هو اسرائيل وقد عانت ايران وشعبها العديد من الضغوطات وما زالت لكي تتراجع عن موقفها لكنها واصلت دعمها ومساندتها للقضية الفلسطينية وبعد تأسيس قوى المقاومة في فلسطين بادرت الجمهورية الاسلامية لدعمها من دون تمييز او فرض ارادة كما كانت وما زالت الدول العربية في دعمها تطلب الهيمنة وفرض سياسة البلد التي منها الاستسلام والتطبيع .
وبعد الصحوة حصلت القضية على مستوى العالم الاسلامي اتجاه فلسطين واخذت المقاومة تتسع وتنتصر في لبنان عام 2006 حيث سجلت اول انتصار على اسرائيل واطلاق ثورة الحجارة والحروب المتتالية والتحمت الحركات والاحزاب الاسلامية وجميع مؤسسات والمرجعيات الدينية مع القضية .
من خلال هذا السرد التاريخي نريد القول ان القضية الفلسطينية انتصرت حينما عاد لأحضان الامة الاسلامية وحين تسع الاهتمام بها على مستوى الامة .
فأن التحول الجديد في انتصار القضية يعود لانتصار الجمهورية الاسلامية وظهور شخصية مجاهدة استطاع ان يوظف الصحوة واليقظة الى ثورة وهو الشهيد الذي كان حاضراً في كل محطات المواجهة حتى بعد شهادته .
المصدر: ألواح طينية
التعليقات