بين ظاهرتي طالبان وداعش : المُشتركْ و العِبرْ
أهّمُ مُشترك ، في أثرهِ و وضوحهِ وتجلياتهِ ، بين ظاهرة طالبان في افغانستان وظاهرة داعش في العراق وفي سوريا وفي لبنان هو الدور الامريكي.
احتلت امريكا افغانستان عام ٢٠٠١ ، وخلال فترة الاحتلال ، ترعرت ونمت وكَبُرت حركة طالبان ، واصبحت اليوم هي القوة المؤهلّة للسيطرة ميدانياً وسياسياً على افغانستان عند اتمام القوات الامريكية انسحابها المؤكد من افغانستان عند نهاية شهر آب المقبل من هذا العام .
نتساءل: هل بقدرة قادر مجهول ام بقدرة تخطيط امريكي استراتيجي محسوب أنْ تصبح هذه الحركة ، وبعد تواجد امريكي وناتوي عسكري لمدة عشرين عاماً في افغانستان لمحاربتها، اقوى سياسيا وعسكرياً من الحكومة الافغانية ، والتي حظيت بالدعم وبالتدريب الامريكي و الناتوي؟
هل من المعقول ان تستعيد طالبان السيطرة على ٨٠ بالمئة من الاراضي الافغانية ، بمجرد الاعلان الامريكي الرسمي عن انسحاب الجيش الامريكي في نهاية شهر آب ؟
لقد وعدتْ امريكا الافغان ، عند احتلالها بلدهم عام ٢٠٠١ ، بالقضاء على طالبان والجماعات الارهابية ، وبإحلال السلام والامن و الاستقرار ، وبالحريات وبالديمقراطية!
الآن ، وبعد عقدّين من الزمن ، تُسّلمْ امريكا افغانستان الى حركة طالبان ، وتترك شعبها ، يرزخُ تحت بطش وارهاب الحركة ، لا سلام و لا امن و لا ديمقراطية ! وقّعت الادارة الامريكية اتفاق سلام مع حركة طالبان ،بتاريخ ٢٠٢٠/٢/٢١، في الدوحة . واوهمت الادارة الامريكية حكومة افغانستان بضرورة عقد اتفاق سلام مع حركة طالبان ، وتفاوضت الحكومة مع الحركة وبرعاية امريكية ، ومن ضمن بنود الاتفاق ، بند ينصُ على ان تفرج الحكومة عن ٥٠٠٠ اسير مقاتل من الحركة !واليوم هؤلاء المُفرج عنهم يقاتلون مع طالبان القوات الحكومية !
أعادت بعض القوات الامريكية انتشارها في افغانستان ، وانسحب البعض من افغانستان ، وتركت مخازن اسلحة وصواريخ وعتاد ، تّمَ الاستيلاء عليها من قبل مقاتلي حركة طالبان ،حسبما نقلته بالصوت وبالصورة مراسلة قناة CCN التلفزيونية ، و ذهبت هذه المراسلة، بدعوة من حركة طالبان ،لتصاحب تقدّم المقاتلين واستيلائهم على بعض مخازن الاسلحة الامريكية المتروكة .
ستنسحب ،بكل تأكيد القوات الامريكية و القوات الدولية من افغانستان ، ولكن لن تذهب القوات الامريكية بعيداً عن افغانستان ، وستتمركز في احدى الدول المجاورة ، وهذا ما اكدته افتتاحية صحيفة واشنطن بوست ،بتاريخ ٢٠٢١/٤/١٤ . ومهمّة القوات الامريكية ستكون ، حسب ما وردَ في الصحيفة ، مراقبة الوضع عن كثب في افغانستان. و لا نستبعد استمرار التفاهم والتفاوض بين حركة طالبان و الادارة الامريكية او بين الحركة والقوات الامريكية ، و لا نستبعد ايضاً ان توظّف الادارة الامريكية مقاتلي الحركة من اجل ارباك او ازعاج ايران او روسيا .
لنقارب الآن سيناريو الدور الامريكي في افغانستان مع الدور الامريكي في العراق:
احتلت امريكا العراق ، ولا تزال قواعدها ولا يزال دورها السياسي والعسكري فاعلا وحاكما في العراق ، منذ ما يقرب عقدّين من الزمن .اي ذات المدة التي تواجدت فيها القوات الامريكية في افغانستان !
نشأت و ترعرت و انتشرت وتناسلت مجاميع ارهابية متعددة وبقيادات متعددة ، وبوجود القوات الامريكية في العراق ، والتي كانت تنظّم وتوزّع ادوار ومهمات الداعمين بالمال وبالسلاح ،المجاميع الارهابية ، وخاصة داعش ، وبأعتراف السيد حمد بن جاسم ال ثاني ، رئيس وزراء قطر الاسبق و وزير الخارجية .
شهدَ العراق ،منتصف عام ٢٠١٣ ، قبيل سقوط مدينة الموصل على يد داعش ، هروب او تهريب الارهابيين و الدواعش من سجون ابو غريب و التاجي ، وقُدّر عدد الهاربين آنذاك باكثر من ١٠٠٠ سجين ،معظمهم ،محكوم بالاعدام .
واعتقد أن هؤلاء شاركوا بالقتال مع داعش لاحتلال الموصل ،مثلما يشارك الآن سجناء طالبان ، الذين اُفرِجَ عنهم ،بموجب اكذوبة مفاوضات السلام بين الحكومة الافغانية و حركة طالبان ، بالقتال مع اقرانهم للاستيلاء على المدن والقصبات الافغانية .
لم يكُ سقوط الموصل في قبضة داعش عام ٢٠١٤، دون تخطيط تآمري مُسبق، مُرتكزاً على ما سادَ من اخطاء و شاعَ من فساد . مشهد خروج الجيش العراقي من الموصل ، و تركه اسلحة ومخازن عتاد ، استخدمها تنظيم داعش للتقدم نحو بغداد واربيل ، يتكرر هذا المشهد الآن في افغانستان ،حيث هروب الجيش الحكومي تاركاً خلفه اسلحة وعتادا ومخازن اسلحة امريكية لتقع في ايدي مقاتلي طالبان .
ما الفرق اذاً بين مشهد العراق ومشهد افغانستان ، والذي سمحَ للعراق دحر داعش ؟
الفرق هو وجود الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الاخرى ودخولهما ساحة العمل العسكري ، وصّدهما داعش ، ودحرهِ لاحقاً في العراق وفي المنطقة .
ظاهرة “الحشد” وفصائل المقاومة احبطت نتائج مؤامرة الموصل ، وأحبطت ما هو ابعد من مؤامرة الموصل . وهذا ما يفسّر أستماتة اسرائيل و امريكا من اجل النيل من مكانة ودور الحشد و فصائل المقاومة ، وسعيهما وآخرين لايقاع الفتنة بين الحشد و الجيش ،بين الحشد و الشعب ، وتصفية الحشد الشعبي ،الذي اثبتَ قدراته في حماية العراق .
تفتقر افغانستان لتجربة الحشد ، لذلك يتوقع المراقبون اتمام حركة طالبان سيطرتها على افغانستان ، وهروب الجيش او انضمامه الى الحركة ، ومغادرة الحكومة العاصمة كابول ،في غضون ستة اشهر او اقل .
ولا نستبعد ان تستفيد قوى سياسية افغانية، وقبل فوات الآوان ، من تجربة الحشد الشعبي في العراق .
ما يجري في افغانستان ، شاهدُ و دليل ،لشعوب المنطقة (العراق ،سوريا ،لبنان ،فلسطين) ، والتي تواجه دوراً اسرائلياً امريكياً تخريبياً ، وبوسائل عسكرية و اقتصادية و نقدية ، على ضرورة تعزيز وسائل المقاومة من اجل الدفاع ومنّ اجل محاربة الارهاب.
المصدر: الحوارنيوز
التعليقات