السلفية النظرية الثالثة ج3


من خلال ما قدمناه من نماذج للفكر السلفي يمكننا أن نلاحظ أننا أمام مدرسة فكرية ليس لها حدود ولا معالم.

فهم يقسمون علماء الإسلام إلى سلف صالح وخلف مبتدع ثم يأخذون أغلب فتاواهم عن هذا الخلف المبتدع.

يزعمون أنهم مكلفون من السماء بحماية السنة والتمييز بين الصحيح والموضوع وأنهم وحدهم هم أهل هذا الفن!!.

ينتفضون غضبا ويعلنون الحرب إذا انتقدت رواية واردة في البخاري أو طعن أحد في عدالة الراوي إذا كانت الرواية تشكل أساسا لرؤيتهم العقدية أو الفقهية!!.

أما إذا كان الأمر متعلقا برؤية غيرهم عندها يصبح التمحيص والطعن في عدالة الراوي بأوهى الأسباب واجبا شرعيا بل وجزءا من التكليف الإلهي الذي حمله السلفيون وأهمله كل من عداهم من المسلمين الغافلين المتقاعسين عن حماية الشرع والدين!!.

يرفضون استخدام العقل كأداة لتمحيص الروايات التي تروق لهم من خلال مقارنتها بما جاء في القرآن الكريم وبغيرها من الروايات المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يزعمون أنهم وحدهم أهل الدراية والرواية؟!.

أما أسلوبهم المفضل في الدراية فيقوم على (ربما ولعل) تماما كما حدث مع رواية رضاع الكبير (لعله أراد أن تحلبه في كوب!) و(ربما كانت حالة خاصة!!) ودعك من النص القرآني الواضح والمحكم (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) والمهم هو إسكات المخالفين… والله أكبر وليخسأ الخاسئون!!.

أما عن الرواية التي يزعمون أنهم أحق بها وأهلها فلو صحت النظرية السلفية القائلة بتقسيم الناس إلى سلف صالح وخلف طالح فما هي الحاجة لإعادة النظر فيما أنجزه السلف من كتب زعموا أنهم جمعوا فيها الصحيح وطرحوا منها ما ليس بصحيح؟!.

إنهم يرون أن من حقهم أن يقولوا وليس لنا إلا الإذعان والتسليم وإلا انهالت علينا تهم التبديع والتفسيق!!.

لنمض معهم في عملية إعادة النظر في أحوال الرواة من خلال ما يسمى (كتب الرجال) التي ألفها الذهبي والرازي وغيرهم لنرى بوضوح أن هذه الكتب لا تختلف شيئا عن بيت العنكبوت وأن جهابذة السلف لم يتبعوا قاعدة محددة في نقد الرجال وأن الأهواء السياسية والعقائدية قد لعبت دورا بارزا في رفع أناس إلى مرتبة الأنبياء والصديقين والغض من منزلة الكثير من أهل الصدق والفضل وغمص حقوقهم!!.

التوثيق والتضعيف!!

يزعم القوم أنهم أهل السنن وأهل السند وأهل الحديث وتراهم يتأبطون كتبا, لا أدري كيف يميزون من خلالها بين الغث والثمين والخطأ والصواب؟!.

خذ عندك كتاب (ميزان الاعتدال) للذهبي حيث يتصور البعض أنه  قاموس للرجال وكل ما عليك هو فتحه لتميز بين الخطأ والصواب.

أبو الزناد نموذجا!!

إنه أحد الرواة الذين وثقهم البخاري في (صحيحه) ودونك بعض ما قاله عنه الذهبي:

عبد الله بن ذكوان، أبو الزناد الإمام الثبت قال ابن معين وغيره: ثقة حجة وروي عن أحمد بن حنبل قال كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث قال البخاري أصح أحاديث أبي هريرة: أبو الزناد، عن الأعرج، عنه. قال يحيى بن معين قال مالك: كان أبو الزناد كاتب هؤلاء – يعنى بنى أمية – وكان لا يرضاه. حدثنا ابن القاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا إن الله خلق آدم على صورته، فأنكر ذلك مالك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث به أحد. فقيل له إن أناسا من أهل العلم يتحدثون به؟ قال: من هم؟ قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد فقال لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء ولم يكن عالما ولم يزل أبو الزناد عاملا لهؤلاء حتى مات.

وهكذا يدور الحديث حول راوية البخاري أبي الزناد ما بين توثيق سفيان واتهام مالك بن أنس له لأنه كان عاملا لبني أمية وهو ما يكفي من وجهة نظره (ووجهة نظرنا) لإهدار وثاقته واتهامه في ذمته الدينية خاصة وأنه كان يزعم أن آدم قد خُلق على صورة الله (تعالى الله عما يقول أبو الزناد علوا كبيرا)!!.

لن نسترسل في سرد العجائب والمتناقضات التي أوردها الذهبي وغيره من أصحاب (قواميس الرجال) المتخمة بالأسماء (11 ألف اسم) فقط نريد أن نعرف كيف يمكن لهؤلاء الجهابذة أن يقوموا بإعادة تمحيص الأسانيد بمجرد الإطلاع على هذه الكتب من دون دراسة التاريخ ومن دون مرجعية الراسخين في العلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟!.

سنة العرباض بن سارية!!

أحد أهم المستندات السلفية هي رواية (العرباض بن سارية): القائلة (وعظنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏موعظة ‏ذرفت ‏ ‏منها العيون ‏‏ووجلت ‏منها القلوب فقلنا يا رسول الله… عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين).

ورغم أن العرباض بن سارية يقول “وعظنا.. قلنا.. عليكم” إلا أن أحدا غيره لم يرو هذه الرواية, رغم أنه يتحدث بصيغة الجمع؟!.

السؤال الآخر لماذا أعرض السلفيون وغيرهم عن خبر الغدير وحديث الثقلين (من كنت مولاه فعلي مولاه..) رغم أنه منقول بالتواتر حيث جاوز عدد من رواه من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله مائة صحابي؟؟.

السلفية جسد بلا رأس!!

إن أردت أن تكون سلفيا فكل ما هو مطلوب منك أن تقصر ثوبك ما بين الكعبين والركبتين وأن تطلق لحيتك على سجيتها وأن تردد بعض المقولات وأن تنتقي شيخا من بينهم تروق لك فتاواه!!.

إن كنت من هواة الكر والفر وركوب الخيل المسومة أو السيارات المفخخة (سلفية جهادية) فهناك الجماعة الإسلامية سابقا أو القاعدة حاليا أما إن كنت من هواة السكون والدعة والأنعام والحرث أو فشلت مشاريعك الجهادية فهناك السلفية (العلمية) وكل ما هو مطلوب منك هو اقتناء بعض الكتب وتمضية ما تبقى من العمر في صحبتها والاكتفاء بسب ولعن (أصحاب البدع والأهواء) فالقماش واسع وفضفاض ويلبي كل الرغبات والأذواق وستجد في كتب ابن تيميه الفتاوى من كل صنف!!.

يقدم موقع (أنا السلفية) بعض النصائح للمريدين من بينها:

ابتعد عن السياسة واشتغل بطلب العلم واقرأ كتاب, مدارك النظر في السياسة بين التطبيقات الشرعية والانفعالات الحماسية للشيخ عبد المالك رمضاني وكتاب (القطبية هي الفتنة فاعرفوها) للعدناني أثابه الله .

اخلع (البيعة البدعية الحزبية) من عنقك وقل: في عنقي بيعة واحدة لحكام هذه البلاد حفظهم الله لا أرتضي غيرها.

الحزبيون لا يعملون بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح- إلا فيما وافق أهوائهم- بل يحاولون أن يُنشئوا فهماً جديداً يناسب العصر باسم الوسطية وفقه التيسير وفقه الواقع, ونسوا أو تناسوا قولَ الإمامِ مالك رحمه الله: (لا يُصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلحَ أوله(.

تحريم التظاهرات: اعلم أن هناك أمورا كثيرة قد حدثت في زمننا هذا ليست من شرع الله في شيء، وإنما يتعلق بها أناس يجهل الكثير منهم أو يتجاهل نصوص الشرع، وآثار السلف في النهي عن المحدثات في الدين، ويعظم الخطب حينما تنسب هذه الأمور المحدثة إلى دين الله كما يفعله بعض الناس ممن يفتي في القنوات الفضائية مخالفين بذلك هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأمور المستحدثة في دين الله المظاهرات حيث أصبحت ظاهرة مشهودة في كثير من بلاد المسلمين وقد صدرت الفتاوى بتحريمها من قبل كبار أهل العلم وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.

أما جماعتي الإخوان والتبليغ حسب فتوى ابن باز فهما داخلتان ضمن الفرق الاثنتين والسبعين المبشرة بجهنم وبئس المصير!![1] كما أن الإخوان وفقا لفتوى الشيخ الألباني ليسوا من أهل السنة لأنهم يحاربون السنة!![2].

السلفية إذا لا تعدو كونها (سلفيات) بعضها ينزع إلى التطرف والبعض الآخر نشأ في أحضان النظم الحاكمة التي كانت وما زالت ترى فيهم سلاحا ناجعا للوقوف في مواجهة دعوات الإصلاح الديني والسياسي بعد تصنيفها في خانة البدع (المظاهرات) والهدف هو تكريس الإقطاع السياسي والديني الذي يراه هؤلاء ضرورة للاستقرار والاستمرار.

ورغم أن الأحداث والتجارب أثبتت أن السلفية سلاح ذو حدين إلا أن ميزتها الكبرى التي أمنت لها البقاء والاستمرار حتى الآن تتمثل في أنها قلما استخدمت سلاحها ضد العدو الخارجي ويكفي أن نذكر أن مؤسس السلفية في مصر[3] وقف مع الإنجليز في خندق واحد ضد ثورة 1919 مطالبا بالعمل على تصحيح العقيدة ومنع السفور بدلا من مناهضة الاحتلال!!!.

[1] http://www.sahab.ws/884/news/1455.html
[2] http://www.sahab.ws/884/news/1454.html
[3] http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=57148

المصدر: جريدة القاهرةa