الأردن: من المسؤول عن إطالة أمد التقاضي؟


عادة ما يُساء إستخدام القاعدة القانونية (كل متهم بريء حتى تثبت إدانته) في بعض الدول ،والأسوأ من ذلك أن يتم معاقبة الأبرياء بصناعة التهم لهم وإطالة أمد التقاضي ضدهم ،وما الفائدة التي يجنيها شخص تعلن براءته بعد سنين من التقاضي والمصاريف الزائدة وهدر الوقت في القضايا الجزائية خاصة إن كان موقوفاً على حساب قضية أو محجوزاً على أمواله مدة من الزمن، وحُكِم بعدها بالبراءة بعد إعدامه اجتماعياً داخل أسرته وفي عمله، ومن الذي يتحمل مسؤولية ذلك، وهل يعوّض البريء مادياً ومعنوياً من قبل دولته أو خصمه، فرغم البراءة يبقى بعض الاشخاص في نظر المجتمع بحكم المجرم، وأغرب شيء هو أن نرى مسؤولين يقرون بمشكلة إطالة أمد التقاضي، ويظهرون للعلن أنهم يحاولون البحث عن حلول، ولكن الحقيقة مختلفة تماما فنجد بعض القضايا تسير مثل البرق في بعض الدول والبعض الآخر ولأسباب خاصة نجدها تطول وتطول، فإذا كان القاضي غريم المتهم وهذا يحصل أحياناً فلمن يشتكي، فالمدعي العام مثلاً ووفقا لنصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية له أن يمنع محاكمة أي مشتكى عليه اذا لم تكن الأدلة كافية للظن عليه، كما له إصدار قرار وقف الملاحقة في بعض القضايا إلا أنه يلاحظ أن بعض المدعين العامين لا يفعلون ذلك وأصبحوا يحيلون القضايا للمحاكم بشكل دائم مما أوجد ازدحاماً لدى هذه المحاكم بسبب إحجامهم عن إصدار قرارات منع المحاكمة أو وقف الملاحقة لأسباب مختلفة ،وفي بعض الأحيان لا يتم الاستماع الى المشتكى عليهم ويصار للظن عليهم بدون أي سند قانوني، وهذا من أسوأ أشكال الظلم المعاصر، ويعتبر القاضي هو من يستطيع تقصير مدة التقاضي أو إطالتها، ولكن المشتكى عليهم لا يملكون من أمرهم شيئا، فمن منا في بعض البلدان يستطيع مواجهة من سينطق بالحكم ضده.
وأهل القانون يعلمون أن الدارس لأي قضية قد يجتهد ويخطئ في اجتهاده مما ينجم عنه إصدار أحكام متناقضة ،و لأن المطلوب تطبيق النص وروح القانون وفق ما قصد المشرع القانوني بأن يكون هنالك استقرار في الاحكام القضائية من ناحية، وتحقيق العدالة بين المتخاصمين من ناحية أخرى، لذلك ينبغي على أي دولة مهتمة باستقلال قضائها وتحسين مستوى العدالة أن تعيد النظر بإجراءات قضائها التي تؤثر سلبا على العدالة وتطيل أمد التقاضي، فهنالك فاعلان أساسيان في تقصير أمد التقاضي وهما القاضي والمبلّغ، ولكن القاضي هو من يتحكم في إدارة التبليغ وتحديد المدد بين الجلسات بشكل مباشر، وعليه نرى بأن العلاقة بين القاضي والتبليغ بحاجة إلى إعادة دراسة وصياغة بطريقة تكفل تقصير مدد التقاضي وفقا للقانون وتحديد المسؤوليات، فطالما أن هنالك تقاضي طويل فهذا يعني أن هنالك مشكلة لها أسباب مهما كانت الذرائع، ويجب علينا أن نقف على هذه الأسباب ومحاسبة المقصرين، ولكن في الوقت الراهن لدى بعض الدول نشهد مراقبة وحساب محدودين أو ضعيفين، بل هنالك محاولات للاختباء خلف القانون والاحتماء بالحصانة والسلطة، ناهيك عن الخشية التي تتوفر لدى بعض المحامين على مستقبل قضاياهم من مواجهة القضاة عندما يخطؤون والضحية في كل مرة هم الأبرياء، لذلك نتمنى أن يكون هنالك مساءلة قانونية لكل مدعي عام وقاضي في حال ارتكابهم لأخطاء قانونية أو إطالتهم لأمد التقاضي ،وتصنيف إطالة أمد التقاضي من الجرائم التي يجب أن يعاقب عليها القانون، وأن تكرار براءة المتهمين المحولين من مدعي عام معين توجب التوقف عند هذا المدعي العام، والتعرف على الأسباب الحقيقية التي تجعل ظنونه خاطئة بنسب ملفتة للنظر، وتقييم هذا المدعي العام ليكون عبرة لغيره وحافزاً لإنفاذ القانون بالشكل الصحيح.
فأصعب شيء مؤثر على النفس البشرية أن تتهم بدون أي سند قانوني، وترك المتهم يقارع المحاكم لسنيين طويلة، ولا تستطيع فعل شيء مع ذلك المدعي العام مما ينعكس سلباً مع الأيام على الأمن المجتمعي لأنه يؤدي لتفشي الظلم والإضرار بالعدالة.
متمنياً على رئيس المجلس القضائي أن يعير هذه الملاحظات ان وجدت وغيرها مما في جعبتنا جل إهتمامه للتغلب على المعاضل التي تواجه المواطن الأردني وتقهره.
فلدينا الكثير مما يقال بهذا الخصوص ،ولكن احترامنا للقضاء وخوفنا من العقوبة يمنعنا من البوح بالحقيقة، وطرح ما يجول في خواطرنا، حتى أن سرّنا أصبح مختلفا عن علننا، مستعيذا بالله من قهر الرجال الأبرياء، ومن الظلم الذي حرمه رب العالمين وجعله بيننا محرماً.

المصدر: رأي اليوم