القدس


القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: “لا تحفل بهم” وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: “أرأيتْ!” في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ، كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها، والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ.

السيدات والسادة مع حفظ المناصب والألقاب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً للاستضافة الكريمة، شهر رمضان مبارك، وعيد فطر سعيد على الجميع.

أتحدث إليكم في استراحة داخل المؤتمر الدولي الثالث للقدس في العاصمة بغداد.
وأود أن أعرّج بإيجاز على جملة من النقاط:
 
- لا بد لنا في هذا الجمع الكريم الى أن نشير الى دلالات اختيار الإمام الخميني (رض.)  لإعلان يوم القدس بُعيد اجتياح الكيان الصهيوني لجنوب لبنان،  في العشرة الأخيرة في الجمعة الأخيرة من أيام معدودات ليمنح القضية الفلسطينية ديمومة الخلود، وقدسية الإيمان، والاندكاك بالضمير الإسلامي والانساني، وليقول إن النصر على مرمى حجر… أيام معدودات، وسنصلي في القدس، مهما طال الزمن، ومهما تكالب الأعداء علينا، نربي أولادَنا، وبناتِنا، والأجيالَ من بعدِنا ليُكملوا المسيرة.

- هذه هي العبقرية الخمينية؛ لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران بحد ذاتها صفعة لوعي الأمة،  وهجمة مرتدة بعد اتفاقية كامب ديفيد الى الآن لا تستطيع كل قوى الاستكبار في العالم ردّها.

-نعيش اليوم إرهاصات العالم الجديد، عالم متعددالأقطاب، وهو مخاض طبيعي إلا أنه عسير، وأي مخاضٍ لا يكون يسيراً هيّناً بطبيعته إلا بمعجزة.
هيمنة أميركية متراجعة، وغطرسة مندحرة متآكلة، وكيان مسخ نشاز يستشعر الخطر في ظل بيئة شعبية غير مرحّبة ولا متعاطفة، قواعد الاشتباك في المنطقة تغيرت منذ استشهاد قادة النصر، ومالت الكفة نحو النصر القريب منذ منازلة سيف القدس١، منذ ملحمة سجن جلبوع، أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها الحل، وأن كل المفاوضات والاتفاقيات هي حبر على ورق مع كيان لا ذمة له ولا عهد، بل هي محض التنازل عن حق شعب أصيل في أرضه لكيان غاصب لا يمتلك الحق في شبر من هذه الأرض. 
مقبلون على سيف القدس٢  ورمحه وباليستيّه ومسيّراته، برجاله ونسائه من صنعاء الى دمشق الى بغداد الى طهران الى بيروت الى المنامة، من أفغانستان الى فنزويلا كل الأحرار في العالم مع القدس.

-مشهد التظاهرات احتفاءً بيوم القدس في شوارع بغداد وبقية المحافظات العراقية، والفعاليات الأخرى من مؤتمرات ونشاطات تثير الفخر والاعتزاز، وتبعث الطمأنينة لديمومة الحياة في ضمير الأمة، أمة الحشد المقدس، أمة الحشد المقاوم. 

-اليوم نحن في العراق على مفترق طرق، منعطف خطير بين أن نكون تحت ظل الشعارات الرنانة، وبين أن نكون قدسيين في ظل القَنا، وتحت خفق البنودِ. أن تسير المقاومة العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصاد المقاوم متوازيةً نحو هدف واحد، هو أن يبقى العراق شوكةً تقضّ مضاجع الصهاينة، منذ ثلاثة آلاف سنة، وهذا هو الثمن الذي ندفعه منذ دهور، وما نمر به اليوم من انسداد سياسي هو ثمن الموقف من القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس.

- تحدث الإخوة في المؤتمر عن خطورة الدور الإماراتي في مختلف دول المنطقة، وأحب أن أطمئنكم بأننا نلمس اليوم تقهقراً في الموقف الإماراتي المشين داخل العراق نتيجة الصمود والعبقرية والتوأمة والممازجة الذكية بين خطوط المقاومة بمختلف تمظهراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

- فيما يخص تشريع قانون تجريم التطبيع المزمع، فنحن نشد على أيدي الساعين لذلك، لكن بعيداً عن المزايدات فالمادة ٢٠١ من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ للعام ١٩٦٩ كفيلة بأن تكون أساساً لأي تعاطي مع هذه القضية.

- أطمئنكم بأن العراق منطلق التحرير والنصر، ولن يطبّع إلا على جثثنا ودمائنا جميعاً.

- عهداً للإمام الخميني والشهيدين الصدرين العظيمين والقائد الخامنئي بأننا عراقيون قدسيون ماضون على نهج سليماني والمهندس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، يوم ترفرف رايات الحق بيد أهل الحق خلف إمامٍ منصورٍ من آل بيت محمد، لتقتصّ لكل دمعة فلسطينية، وتستأصل الغدة السرطانية، وترمي بها الى البحر عائدة من حيث جاءت، إن بقتل آخر قرد صهيوني جبان يتخفى خلف زيتونة فلسطينية، أو حين يحزمون حقائبهم هاربين، وقد لا يسعفهم الوقت، ولتجدنّهم أحرصَ الناسِ على حياةٍ، كما قالها من قبل القائد السيد حسن نصر الله. 

- فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا.