أفغانستان وفق منظور المصالح الإيرانية.. الاحتواء ومحددات الاستقرار.


"أفغانستان مستقرة"، هي معادلة تسعى إيران إلى تكريسها واقعاً عملياً، بُعيد اكتمال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، إذ لا يُمكن لـ طهران، أن تتجاهل الوضع الأفغاني، وتأثيرات الانسحاب الأمريكي وتداعياته المحتملة على الجغرافية الإيرانية، خاصة مع وجود معطيات تنظر إليها طهران، بعين الريبة والتوجس، لا سيما أن سيطرة حركة طالبان على عموم الجغرافية الأفغانية، والحدود المشتركة ما بين إيران وأفغانستان، والتي تبلغ قرابة 900 كيلومتراً، فضلاً عن الامتدادات العرقية الأفغانية في الداخل الإيراني، وعطفاً على أن أفغانستان قد مثلت منفذًاً لإيران إلى الخارج، في ظل العقوبات الأمريكية التي فُرضت عليها لسنوات، فكانت معبرًا تجاريًا للبضائع الإيرانية إلى دول وسط آسيا، كل ذلك يُشكل تحدياً كبيراً ترتسم معالمه في الأفق الأفغاني، والخوف من انعكاساته وارتداداته على الداخل الإيراني، الأمر الذي تؤطره طهران بين جُزئيتي، الانسحاب الأمريكي بالتوازي مع اتساع سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.

إيران ومع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تجد نفسها أمام واقع جغرافي وديموغرافي جديد، بموجب ذلك، تسعى طهران عبر وسائل عدة إلى الابتعاد عن أي اضطرابات محتملة، يمكن أن تأتيها من الحدود الأفغانية، خاصة أن تلك الحدود، تشهد حاليًا صراعات متزايدة، وتصاعدًا في حدة العنف من جانب حركة طالبان، التي توسعت في السيطرة على المعابر المشتركة بين البلدين، وأغلب أقاليم البلاد بشكل عام؛ في هذا السياق ثمة مخاوف إيرانية من تحالفات محتملة بين جماعات داخلية تناهض الحكومة الإيرانية، مع حركة طالبان على الحدود الأفغانية، لكن في المقابل، يُشكل المشهد الأفغاني باضطراباته التي جاءت في أعقاب  قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ودخوله حيز التنفيذ، فرصة للتوغل الإيراني، والعمل وفق رؤية استراتيجية، تُمكن طهران من الحصول على أوراق قوة إضافية في المنطقة، وترتكز تلك الرؤية، على الدفع باتجاه تحسين العلاقات مع طالبان، على الرغم من الخلافات الايديولوجية مع العقيدة الإيرانية، لكن مع تواجد قاسم مشترك يُمكن استثماره وبناء علاقة توافق بين طهران وطالبان، يتمثل في معاداة الولايات المتحدة، وضرورة رحليها من أفغانستان.

وفق ما سبق من معطيات، يبدو واضحاً أن إيران تسعى إلى إيجاد دور لها في أفغانستان، لكن ليس وفق نظريات الهيمنة وفرض النفوذ، بقدر ما تحاول ممارسة دور الإطفائي لحرائق متوقعة قادمة من الحدود الأفغانية، مع محاولات احتواء لتداعيات صراع مفتوح، يُمكن أن ينعكس على المصالح الإيرانية، كل ذلك، ترجمه دخول إيران على مسار محاولات التسوية في أفغانستان، عبر استضافتها مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، حيث سبق هذه المفاوضات اجتماعات عدة لمسئولين أفغان، وقيادات لحركة طالبان في طهران، بالتوازي مع مفاوضات أفغانية- إيرانية، شارك في كليهما مسؤولون من الخارجية الإيرانية مع 4 وفود أفغانية، تمثلت في ممثلي اللجنة الثقافية بالبرلمان الأفغاني، وممثلين عن الحكومة وحركة طالبان، وممثلين عن لجنة متابعة شئون الرعايا الأفغان في إيران.

صفوة المفاوضات السابقة، خلصُت إلى مُخرجات تبنت رؤية واضحة لجهة أن استمرار الحرب، سيُخلف مخاطر وأضرار جمّة على أفغانستان ودول الجوار، مع التأكيد على ضرورة أن تتوحد الجهود للتوصل إلى حل سياسي، وأن لقاء طهران فرصة وأرضية جديدة لتعزيز الحل السلمي للمشكلة الأفغانية، لكن ما حدث على أرض الواقع كان مخالفًا لجوهر المفاوضات الأفغانية مع طالبان، وكذا الإيرانية مع طالبان، حيث صعّدت حركة طالبان من وتيرة العنف، بالتزامن مع المفاوضات وفي أعقابها، فكان الحوار في طهران منافيًا لواقع التصعيد في أفغانستان.

تُبدي إيران مخاوف عديدة بشأن مستقبل أفغانستان غير مستقرة، إذ يرجح أن تواجه إيران جملة من المعضلات بالمستويات كافة، إذ تبقى تجربة إيران خلال سنوات الحرب في أفغانستان، حاضرة وبقوة لدى صانع القرار الإيراني، إذ تعد معضلة ضبط الحدود، من أهم القضايا التي تولي لها إيران أهمية خاصة، نظرًا لتعدد التهديدات في هذا السياق، الأمر الذي فرض على طهران، زيادة تواجدها العسكري علي الحدود الإيرانية- الأفغانية، منذ تصاعد عنف حركة طالبان، كما تخشى إيران من توسع تنظيم داعش في أفغانستان، فالمخاوف الإيرانية تنطلق من إمكانية توسع نشاط التنظيم عقب الانتهاء من تنفيذ خطة الانسحاب الأمريكي، الأمر الذي ترجمه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بيان له في 16 نيسان الفائت، عبر التحذير من تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في أفغانستان، وأشار إلى أن التنظيم قد تبنى مسئولية عدد من الهجمات في البلاد، وأن عملية نقل "داعش" من العراق وسوريا قد تمت إلى أفغانستان بالفعل.

بالتوازي، وعلى ضوء المخاوف الإيرانية جراء حالة عدم الاستقرار في أفغانستان، أتبعت طهران جُملة مسارات استراتيجية، بُغية تكوين شبكة علاقات وولاءات في الداخل الأفغاني، تحاول من خلالها تحقيق مصالحها، اعتمادًا على القواسم المشتركة العديدة بين النسيج المجتمعي في كليهما، وقد هدفت هذه الاستراتيجية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي على المستويين الرسمي وغير الرسمي، خاصة في ظل  ما يعانيه الاقتصاد الأفغاني من تدهور منذ سنوات، فقد كانت الفرصة سانحة لإيران لتوقيع اتفاقيات اقتصادية في مجالات التجارة والطاقة والكهرباء، مع الجانب الأفغاني، وفي جانب مواز، عملت طهران على تشكيل فصائل "شيعية" من مجموعة من النازحين واللاجئين الأفغان في إيران، فقد أسس فيلق القدس في عام 2013 "حزب الله الأفغاني ولواء فاطميون"، وقد اشترك "لواء فاطميون" في الحرب في سوريا والعراق واليمن، ثم عاد قسم كبير منه إلى أفغانستان.

وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد اقترح عبر لقاء تلفزيوني له بقناة "طلوع" الأفغانية أن يتم إلحاق "لواء فاطميين" بالجيش الأفغاني، في إطار حديثه عن أهمية تطوير قدرات الجيش الأفغاني لمواجهة التطورات.

ختاماً، تفرض التطورات الأفغانية حالة من الترقب والحذر، وجُملة من الهواجس والتحديات، والتي تُقرأ إيرانياً من منظور استراتيجي، وبالتالي يُمكن القول، أن ردة الفعل الإيراني تُجاه تلك التطورات، تبقى مؤطرة بمستوى التهديدات التي ستفرزها تطورات الوضع الأفغاني بأبعاده الداخلية والخارجية، نتيجة لذلك، اختارت إيران استراتيجية النهج المزدوج القائم على التعاون مع "عدو الماضي" المتمثل في حركة "طالبان"، وفي الوقت ذاته الاحتفاظ بآليات ردع إذا لزم الأمر، وتتمثل في شبكة الولاءات داخل أفغانستان.