البصمة الاسرائيلية في الانفتاح التركي الإماراتي المفاجئ


أن تبحث عن محطات الخصومة والعداء التركي الاماراتي خلال أكثر من عقد مضى فمعناه أن تتوقف أمام قائمة طويلة من تلك المحطات تباينت في شدتها من محطة لأخرى ومن ساحة لأخرى، لكن الملاحظ هو الحالة التصاعدية لذلك العداء بين البلدين والذي وصلت مستوياته بشن أردوغان لأكثر من هجوم باتجاه الامارات ومن ذلك قوله: ” إننا نقول لمن يتهموننا ويتهمون أجدادنا، إلزموا حدودكم، فنحن نعلم جيداً كل ما تخططون له” فيما هدد اردوغان في محطات بتعليق العلاقات الدبلوماسية وسحب السفير التركي منها، “وأن ضمائر شعوب المنطقة لن تغفر ابداً السلوك المنافق لدولة الامارات” وهذا الموقف التركي يأتي ضمن مزايدات كبرى بالقضية الفلسطينية، لتصل حالة الصراع بين الطرفين إلى أن يبحث ويترصد كل طرف للآخر ليقف في الخندق المقابل له، ولاحظنا هذا العداء المتصاعد في أكثر من ساحة وجبهة مواجهة وكان أشرسها في الملف الليبي والملف القبرصي وملف الأزمة الخليجية .
الحديث عن استثمارات اقتصادية وضخ المال الاماراتي تجاه اسطنبول لا يمثل سوى غطاء ونافذة لتثبت أو كسب مواقف وتغيير في التوجهات، فيما تبقى الاثمان الحقيقية المدفوعة تركياً هي أثمان سياسية بالمقام الأول تتعلق بدرجة كبيرة بالنظرة والتوجه التركي تجاه اسرئيل ومصالح هذا الكيان خاصة على صعيد تحقيق الأمن القومي الاسرائيلي والمهتز الآن بدرجة مخيفة بالنسبة لهذا الكيان  .
تقع على عاتق الامارات مهمة في غاية الاهمية بالنسبة لكيان العدو الاسرائيلي في المرحلة الراهنة وهي مهمة تفكيك القوى المعادية والمقاومة لاسرائيل وتفكيك العقد التي تشكل هاجساً اسرائيلياً كبيراً وخطراً يستهدف اسرائيل في أمنها، وكمثال على ذلك تركيا وحركة حماس الفلسطينية، ومن المعلوم مدى ما وصلت له العلاقات الاماراتية الاسرائيلية وما تحقق على صعيد هذه العلاقات المتسمة بالاستراتيجية من منافع ومصالح اسرائيلية ضخمة، ولعل أخطر وأهم بعد في هذه العلاقة هو البعد الأمني والتشابكات المتعلقة بتحقيق الامن القومي الاسرائيلي، وما قدمته الامارات على هذا الصعيد ليس بالقليل وما تقوم به من تحركات كبرى لا  يخرج عن هذا المصب، مع التأكيد هنا بأنه لنا أن نتخيل لو نجح الربيع العربي عبر أخونة الانظمة لكانت تركيا هي عرابة التطبيع العربي الاسرائيلي بلا منازع، وليس كما هو الان الخليجي .
وُضِعت الكثير من التحليلات ذات الصلة بنقطة البداية في هذا الانفتاح التركي  الاماراتي ليتم الحديث عن إشارات متبادلة لتطبيع العلاقات، إلا أننا نرى أن محطة الوساطة الاماراتية بالإفراج عن الجاسوسين الاسرائيليين من قبل تركيا يشكل منعطف بارز في هذا التحول في العلاقات، فمع ضخامة الملف ووضوح التورط الاسرائيلي في عملية التجسس التي وصلت الى التقاط صور لقصر أردوغان بما يحمله هذه الفعل من مؤشرات تأكد وجود مخطط اسرائيلي لتصفية أردوغان، ومع هذا شهدنا نتائج مفاجئة لناحية السلوك التركي وانهاء القضية بالشكل الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام وفي صدارتها قبول تركيا للوساطة الاماراتية في ملف حساس كهذا الملف .
أردوغان الذي وقع بين اغتيالين الاول سياسي ممثل بعملية محاولة الانقلاب الفاشلة عليه، والتي اتهمت فيها الامارات بالتخطيط لها، والثاني محاولة الاغتيال الواقعة على خليفة خلية التجسس الاسرائيلية والتي تدخلت فيها الامارات وانتهت بحسم سريع بإطلاق سراح الجاسوسين عبر وساطة اماراتية، يجد نفسه مرغما أمام واقعه المليء بالتحديات الداخلية لسياسية والاقتصادية وما يلحقه من فشل على الصعيد الخارجي على تغيير موقعه وإعادة تموضعه حفاظا على موقعه السياسي وخوفا من سقوطه الكامل .
تواردت الكثير من القراءات حول الخلفيات الحقيقية لزيارة عبدالله بن زايد لدمشق، وما لم يتم التركيز عليه هنا هو الخليفات ذات الصلة المباشرة بكيان العدو الاسرائيلي، فالقول بمساعي اماراتية نحو اخراج تركيا من الساحة السورية تجلى اليوم من خلال زيارة محمد بن زايد لاسطنبول بما تحمله تركيا من حالة وهن ناجمة عن سياسات تراكمية فاشلة خلفها اردوغان نتيجة انخراطه بالمشروع الامريكي، حالة الوهن التركي هذه وضعت اردوغان في زاوية الخوف من سقوطه السياسي بخلفياتها الاقتصادية المتهاوية، وبالتأكيد سيكون مقابل الخروج التركي مساومة دولية بخروج اطراف أخرى من الساحة السورية عبر ما يمكن اعتباره سحب الذرائع من ابقاء قوى حليفة لدمشق من حزب الله وايران، وهذا كله يسير في صالح العدو الاسرائيلي باعتبار ما يحققه له من اهداف استراتيجية على مستوى الساحة السورية .
الامريكي يسعى لهدف أساسي في المرحلة الحالية يتعلق بواقع الكيان الاسرائيلي المهتز داخلياً والمهدد بشكل كبير جداً خارجياً، وهوالمتلف حوله جملة من التهديدات والتحديات ذات البعد الأمني، ولأن أمن اسرائيل والحفاظ عليه مهمة حتمية أمريكية ولا يمكن الانفكاك عنها، فثمة سعي أمريكي حثيث لتهدئة الجبهات خاصة ذات التماس مع هذا الكيان، ولا يستبعد أن يكون هذا التحرك الاماراتي الاخير والتقارب المفاجئ مع التركي ضمن هذا الاطار والتوجه الامريكي .
أمريكا المثقلة بهزائم متتالية ترى نفسها  غير قادرة في المرحلة المقبلة على إسناد كيان العدو الاسرائيلي بالشكل المباشر عسكرياً، ولاحظنا في محطات عدة لم يُقدم فيها الامريكي على خطوة التدخل المباشر لإنقاذ هذا الكيان، خاصة إذا ما أشرنا هنا الى تنامي قدرة محور المقاومة وتبدل قواعد الاشتباك في محاور عدة ، ومع تعاظم هذا العبء الاستراتيجي بالنسبة للأمريكي ترجح واشنطن كفة الذهاب نحو تبريد الجبهات والابقاء على حالة التجميد، وهذا طبعاً بهدف تشكل قواعد اشتباك جديدة تضمن من خلالها إطالة بقاء هذا الكيان في منطقة الشرق الأوسط، وتبقى أحد أهم أدوات هذه التوجه الأمريكي المنصب لصالح اسرائيل هي دولة الامارات العربية المتحدة .