من الزير سالم إلى محمد بن سلمان : هل تسمعني أجب؟


وكأني أرى "الزير سالم " يخرج من قبره مُقهقها،ً وهو يرى مورثات الجهل والتخلف التي حملها منذ منتصف القرن السادس الميلادي، ما تزال تعيش في وسط خصب، بل وتزداد همجية، لدرجة أنها استبدلت السيف بالمنشار.
لن نتوقف عند الدور السعودي في التخريب والتدمير الذين حلّا بالوطن العربي، من العراق إلى سوريا واليمن وغيرهم، بل سنتوقف عند لبنان الذي كان ولا يزال هدفاً سعودياً للتدمير، باعتبار ذلك هدفاً صهيونياً، مع فارق وحيد، هو دخول السعودية مباشرة في محاولة لإشعال حرب أهلية، تظنها الطريقة الوحيدة لإشغال حزب الله عن "إسرائيل " وتحييده عن مقاومتها، وذلك بعد فشل كل الأدوات الصهيوسعودية في إشعال هذه الحرب، حيث لم ينفع قطع الطرقات على جماهير المقاومة، والإعتداء عليهم على تلك الطرقات، ولا الإعتداء على مقاومين عائدين من تنفيذ عملية ضد الكيان الصيهوني، ليقوم أعضاء من الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط بالإعتداء عليهم بُغية جرّهم لمواجهة، ولا ما حدث في عين الرمانة وغيرها، ولتتوّج هذه المحاولات بالكمين المُسلّح الذي نفذه حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع، وذلك في منطقة الطيونة ضد متظاهرين سلميين من أنصار المقاومة، والذي ذهب ضحيته عدد من الشهداء والهدف من كل تلك المحاولات هو جرً المقاومة اللبنانية إلى صراع مُسلح داخلي، إلّا أن إدراك قيادة المقاومة لما يُخطّط له، وقدرتها على إقناع مناصريها وضبط ردود أفعالهم أحبط كل تلك المخططات.
وبعد فشل هذه المحاولات وغيرها، كان لا بدّ للسعودية من التدخل المباشر في الموضوع اللبناني، ولاسيما بعد الردّ الإيراني على السعودية، التي طلبت من الإيرانيين خلال مفاوضاتهما استخدام نفوذهم لدى حركة أنصار الله اليمنية لوقف الهجوم على مأرب، فكان الردّ هو أن السيّد حسن نصرالله هو الوحيد القادر على فعل ذلك، وبالتالي تم توقيف المفاوضات وافتعال أزمة تصريح قديم لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ليكون هذا التصريح مُبرراً لتلك الحملة التي تشنها على لبنان، بتنسيق غير مُعلن مع الكيان الصهيوني، بدليل الزيارة السرية التي قام بها وزير دفاع هذا الكيان إلى السعودية منذ أيام، والتي ربّما أتت لتجديد العرض السعودي الذي قدمته لإسرائيل أثناء عدوانها على لبنان في حرب تموز عام 2006م، حين أبدت استعدادها لتمويل هذه الحرب إذا كانت ستتكفل بالقضاء على حزب الله وحاضنته الشعبية، مع أن كل المعطيات حتى في أميركا وفي "إسرائيل "، تقول أن الأخيرة لن تجرؤ ولن تستطيع دخول هذه المغامرة، وربّما ستكتفي بتكثيف غاراتها الجوية على اليمن، في محاولة لتأخير تحرير مدينة مأرب.
إذاً، وفي ظلّ عجز الكيان الصهيوني عن العمل العسكري، وفي ظلّ ابتعاد شبح الحرب الأهلية التي أبعدها أمران، أولهما، التقارير التي بحوزة الولايات المتحدة الأميركية، والتي تُجمع على أن حزب الله، وخلال أيام قليلة، يستطيع السيطرة على كامل لبنان، وهذا ما تؤكده تصريحات لزعماء دول تعترف بأن حزب الله أصبح طرفاً مؤثراً في الإقليم وليس في الداخل اللبناني فقط، وثانيهما، هو التحذير الذي أطلقه أمين عام حزب الله بعد اعتداء الطيونة، حين أعلن "أن الحزب أعدّ مئة ألف مقاتل، وأن مقاتلي الحزب باستطاعتهم أن يزيلوا الجبال إذا أشير لهم"، في ظلّ هذين المعطيين يبقى الأمل الصهيوسعودي هو في حلّ الحكومة اللبنانية، ومن ثم نسف الإنتخابات النيابية المُقررة في شهر آذار- مارس المقبل، وبذلك - لو تحقق - يكون لبنان قد دخل في مرحلة من الفوضى، بسبب الفراغ الحكومي والفراغ النيابي، اللذين سيتبعهما فراغ رئاسي فور انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وهذه الفوضى التي قد تتطور إلى حرب أهلية تُشغل المقاومة وتضعف موقفها، وربّما تكون مُبرراً لطلب تدخل عسكري خارجي، ولاسيّما أن هناك أطرافاً سياسية ودينية جاهزة لهذا الطلب.
من الواضح أن التركيز السعودي الآن ينصب على إقالة وزير الإعلام اللبناني، لأنهم يتوقعون استقالة وزراء حزب الله ومن معهم من الحكومة نتيجة لذلك، وبالتالي تسقط الحكومة ويتم تحميل الحزب مسؤولية سقوطها، وإن فشل هذا الرهان يكون البديل السعودي الذي لا بد منه هو أن يعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استقالته، وبذلك أيضاً تسقط الحكومة.
طبعاً هذا ما يُخطّط له وما يتمناه السعودي، ولكن هناك أطرافاً داخلية، وهناك دولاً مؤثرة في مقدمتها فرنسا، تعمل بدأب لإفشال هذا المُخطط، وما من شكّ أن استقالة القرداحي أمر وارد ولكن ليس بأيّ ثمن، فكما قال الرجل لا بد من أثمان وطنية ستدفع إلى لبنان مقابل تلك الإستقالة إن حصلت، وهذه الأثمان ستكون حسب شروط التيار اللبناني المقاوم.
بكل الأحوال، فاللبنانيون ليسوا بحاجة دعم السعودية، بل يحتاجون أن تكفّ أذاها عنهم، لأنها بالأساس لم تدعم لبنان كدولة في أيّة مرحلة من المراحل، بل كانت تدعم أشخاصاً يُنفذون سياساتها التخريبية في لبنان، ابتداءً برفيق الحريري الذي أغرق لبنان بالديون التي يدفع اللبنانيون تبعاتها الآن، مروراً بسعد الحريري ووليد جنبلاط، وصولاً إلى سمير جعجع، وكانت ما تلبث أن تنهي دعمها عند فشل الشخص المدعوم بتنفيذ تلك السياسات.
ختاماً، من المعروف الزير سالم، وبعد أن أفنى قبيلته وكثير من القبائل العربية بحروب عبثية بدأت من أجل ناقة، كانت نهايته على يد خادم ضاق ذرعاً به، فكيف سينتهي حال الزير بن سلمان، بعد أن عاث خراباً في كل المنطقة، وبعد أن ضاق العالم ذرعاً بعبثه، وعدوانيته، وتخريبه، وبعد أن أصبح عبئاً حتى على داعميه.