الازمات القادمة الى البحر الابيض المتوسط
تعيش منطقة البحر الابيض المتوسط مستويات غير مسبوقة من عدم الاستقرار والنزاعات والانهيار الاقتصادي وموجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية ، وهناك حروب في سوريا ولبنان وفلسطين وليبيا ومصر واضطرابات في الجزائر وتونس واطماع تركية في هذا الحوض.
وفي حديث للادميرال الفرنسي لوران أسنار المسؤول عن منطقة البحر الابيض المتوسط نشر في صحيفة لوموند الفرنسية ابدى مخاوفه من تزايد الصراعات في حوض المتوسط بسبب الازمات القادمة من الخليج واسيا وكذلك التنافس الروسي التركي في المنطقة وحضورهما المتزايد في الاونة الاخيرة ، وكذلك الصراع بين ايران واسرائيل والتوتر بين الصين وامريكا لوجود مصالح لكلا الدولتين في هذه المنطقة التي تمثل 30 % من حركة النفط العالمية و 25 % من حركة الملاحة التجارية ، ويعبر البحر الابيض المتوسط سنويا 100 مليون مسافر.
وياتي الحضور الصيني في البحر الابيض المتوسط تحديا جديدا رغم ان الوجود الصيني يختلف عن تواجد باقي الدول كونه ياتي بصبغة اقتصادية واستثمارات في القارة الافريقية والساحل الشمالي لهذه القارة ، ولكن هذا الحضور ربما يؤدي مستقبلا الى حضور عسكري لحماية هذه الاستثمارات وطموحات الصين لا تقف عند حد ومشاريعهم المستقبلية ربما تغطي ضفتي البحر المتوسط ، لذلك سيكون هناك شان اخر لهذا التواجد مستقبلا ولكن حاليا ما يحد من هذا التواجد هو النفوذ الامريكي وعلاقته بالاتحاد الأوربي ، فدول اوربا لا تستطيع الابتعاد كثيرا عن النفوذ الامريكي وبالتالي تبقي هذه الدول علاقاتها مع الصين على حافة الحذر.
الصراع الاخر الاكثر قلقا هو الطموحات التركية واحلامها العثمانية وخلافها القديم مع اليونان بسبب حقوق الغاز والنفط بين البلدين يغذيه خلاف اعمق على الحدود ، والصراع بين الدولتين قديم منذ قرون بدأ مع سقوط الدولة البيزنطية واحتلال القسطنطينية واستمر بعد انهيار الامبراطورية العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الاولى والتي وقعت تركيا على اثرها اتفاقيتي ( سيفر) و( لوزان) واللتين حصلت بموجبهما اليونان على عشرات الجزر الصغيرة في البحر الابيض المتوسط معضمها ملاصق للبر التركي واشترطت ان تكون منزوعة السلاح بحسب اتفاقية باريس للسلام عام 1974 ، وايضا تخلق تركيا توترا اخر من خلال تدخلها العسكري في ليبيا ومحاولة استغلال الثروات الطبيعية في السواحل الليبية مستغلة انشغال هذا البلد بحروبه الداخلية.
وياتي وجود اسرائيل على ساحل البحر المتوسط واحدا من اهم عوامل التوتر الحالية والمستقبلية لما يمثله هذا الوجود من عدم استقرار نتيجة الصراعات الكثيرة التي تفتعلها اسرائيل في المنطقة في فلسطين ولبنان وسوريا وفي البحر الاحمر وتدخلها في شؤون المنطقة ، وبرزت الخلافات مع لبنان بعد اكتشاف حقول الغاز في السواحل المشتركة بين فلسطين ولبنان ومحاولة اسرائيل قضم اكبر ما يمكن من هذه الحقول الغازية.
ويعد الساحل الشرقي للمتوسط مجالا حيويا لاسرائيل كونه منطقة التقاء المصالح الدولية وهذا ما تعيش عليه اسرائيل اي على تقاطعات المصالح الدولية لتحصل على اكثر ما يمكن من المغانم ، وتنظر اسرائيل الى شرق البحر المتوسط بوصفه رأس جسر لتوظيف القوة الى كل انحاء الشرق الاوسط ، ويمثل شرق المتوسط تقاطع طرق محوري بين الشرق والغرب براً عبر طريق الحرير ، وبحراً عبر قناة السويس التي تمثل حلقة الاتصال الرئيسة بين الدول الاوربية ودول الخليج العربية بثرواتها النفطية والهند بسوقها الصاعد ، ويتسم هذا الحوض الان بانه مركز لقضايا مهمة مثل الاسلام الراديكالي والارهاب الدولي والانتشار النووي وقضايا الهجرة الى اوربا وغيرها من القضايا ، حيث ادى تبدل الخريطة الجيوسياسية للشرق الاوسط خلال العقود الاخيرة الى بروز تحديات ناشئة في شرق المتوسط منها الوجود الاسرائيلي على ساحل المتوسط وخشية اسرائيل على وجودها من خلال بروز لاعبين جدد على ساحل المتوسط مثل تركيا وايران وهذا ما لا يروق لاسرائيل لان هاتين الدولتين بالنتيجة قوى اسلامية ولايمكن التكهن بالمستقبل معهما على عكس علاقات اسرائيل مع الدول الاوربية التي بالاغلب راعية لوجود اسرائيل في المنطقة.
التعليقات