الأمام الكاظم (ع) …السجين الثائر.


 الأمام الكاظم (ع) كان يمثل رمزاً للمعارضة الحقيقية والثبات على المبدأ في وقتٍ عصيب مرت به الأمة الأسلامية ، وقد عصفت بهذه الأمة الأضطرابات والنزاعات على الحكم ، وأصبح الخليفة سلطاناً متجبراً يحكم بحد السيف ، وضاعت في تلك الفترة القيم الأسلامية وكثرت ظواهر الأنحرافات في الدين الأسلامي الحنيف التي أرادت النيل من الأسلام المحمدي الأصيل ، حيث أبتعد المسلمون نتيجة لهذه الأنحرافات عن الأسلام الرسالي المنفتح المتجذر والمتمثل في أهل البيت عليهم السلام.
وبالعودة الى المصادر التأريخية نلاحظ أن الأمام الكاظم (ع) عاصر في حياته الشريفة عدة خلفاء من بني العباس الذين أتسم حكمهم بالأستبداد والظلم والتفرد بالسلطة بعيداً عن مبدأ الشورى الأسلامي الذي اتى به النبي محمد (ص) ، وأدرك الأمام (ع) مبكراً هذه المخاطر على المجتمع الأسلامي على المدى القريب والبعيد ، من خلال قيام هذه السلطات بقتل الناس الأبرياء على الشبهة أو مجرد المعارضة ، وكذلك تبذير الأموال العامة وغياب مظاهر الدين الحنيف ، وأنتشار الرذيلة وأماكن اللهو المحرم ، والتضييق على العلماء والمؤمنين ، وأذكاء التبعيات القبلية والعائلية وتمييزهم عن أهل العلم وصفوة المجتمع من وجهاء الأمة ، فأصبح الحكم وراثياً يورث من الآباء الى الأبناء بغض النظر عن مصلحة الأمة ، وكذلك ممارسة التصفية الجسدية والأغتيال السياسي المنظم لكل من يعارض أو يُشك بولائه للحاكم ، ولا يحتاج بذلك الى دليل أو القضاء ، وأنما الحاكم هو الذي يأمر بالقتل أو السجن بعيداً عن المحاكمة العادلة أو عرضه على القضاء.
ومارست السلطة الحاكمة سياسة تكميم الأفواه وشراء الذمم بأستخدام أموال المسلمين ، وهذا جعل الأمة في متاهات فكرية وأطلاق صفات على الحاكم لا يستحقها أصلاً.
لقد عاصر الأمام طوال مدة أمامته التي أمتدت ل35 عاماً عدة خلفاء من بني العباس ، وكان الأمام (ع) يتعرض الى رقابة شديدة ومضايقات مستمرة ، وتم أستدعائه لعدة مرات الى بغداد واطلاق سراحه ليعود الى مدينة جده في المدينة المنورة ، وأسوء هذه المراحل هي في حكم هارون الرشيد الذي استقدمه الى بغداد وشدد عليه وحبسه في عدة سجون اخرها سجن السندي الذي استشهد فيه مسموماً .
كان هارون الرشيد يشعر  بخطورة وجود الامام الكاظم  في الأمة كمنبر واعي ، وأنه يهدد عرشه ، لذا كان يستدعيه لأكثر من مرة لا لشيء ولأنه لايملك دليل ضده ، فقط لأنه يشعر بالضعف والأنكسار أمام شخصية مثل شخصية الأمام الكاظم (ع) له تأثير على الأمة ومجرد وجوده في الحياة يشعره بالخطر.
وهذا الشعور طبيعي لأن من وصل الى السلطة بحد السيف وأراقة الدماء يخاف أن يمر بنفس الحلقات ، ويكون رأسه قرباناً للحاكم الذي يأتي بعده ، وهذا الخوف على الكرسي وضحه الخليفة هارون الرشيد بنفسه حين يخاطب أبنه المأمون " أنه الملك ، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك".
ومثّلَ الأمام الكاظم (ع) المعارضة السرية للنظام الحاكم آنذاك من خلال العمل السري المنظم والبعيد عن عيون السلطات ، كان يتابع أصحابه وحدد مهام كل منهم ، ويعرف أمور الأمة من خلالهم في سجنه ، وكان يثقف الأمة بواسطة أصحابه ووكلائه ، وبيان فساد السلطة وظلمها بما تضمنته رسائله أو من خلال الكلمات التي كان يبثها للمقربين منه ، وكانت هذه الكلمات رسائل تعليمية للأمة ، وحتى شهادته (ع) كانت رسالة مدوية بوجه الظلم والطغيان ، فأصبحت هذه الشهادة ثورة عارمة كادت أن تطيح بعروش بني العباس ، فتلك الجنازة التي اراد الخليفة اهانة أمام الأمة بأغتياله في السجن ووضعها على جسر بغداد ، تحولت الى رمز وأنتفضت الأمة لتشيع أمامها الثائر وتعاهده على مواصلة المسيرة التي لازالت ممتدة الى يومنا هذا معلنة رفضها لكل ظلم وكل جبروت في كل زمان وأنتصاراً لأصحاب الرأي في سجون الحكام الذين يرفضون الباطل.