بين الاستعباد والاستبداد .. افغانستان تتأرجح


منذ الغزو السوفيتي عام ١٩٧٩ بدأت رحلة افغانستان في الحروب والفوضى ابتداء من مواجهة الاحتلال خلا عشر سنوات وتشكلت حكومة اسلامية ضعيفة لتنتهي في الحرب الاهلية جراء الصراع بين اطراف احزاب (سبعة بيشاور) لتسقط البلاد اثرها بيد طالبان خلال عامي ١٩٩٣ و ١٩٩٤ بدعم مباشر من باكستان والاهداف واضحة نفوذ وتوسع واطماع قديمة ومع صمود تحالف الشمال حتى جاءت اميركا لتقلب البلاد راسا على عقب ودخلت افغانستان في مرحلة جديدة اخطر من سابقاتها مع الاحتفاظ بالنظام الاسلامي لكن على الطريقة الاميركية لينتهي المطاف بتسليم البلاد الى اعداء الامس في مفاوضات جمعت الاضداد واستبعدت الحلفاء (الحكومة الافغانية). 
حركة طالبان تزعم انها تسيطر على ٨٥ بالمئة لكن فعليا انها تسيطر على ٤٥ بالمئة من اراضي افغانستان و ٢٩ بالمئة مناطق صراع بين الحكومة والحركة و ٢٦ بالمئة تحت سيطرة حكومة كابل من بينها اقليمي باميان ودايكندي (مناطق حزب الوحدة الاسلامي) ، اي ان ١٦ مليون افغاني واقع تحت حكم طالبان و١٠ مليون نسمة تحت سلطة الحكومة و ٦ مليون في مناطق النزاع ، وهذا يعني وقوع ٢٠٧ منطقة بيد الحركة و١٢٢ منطقة تحت سلطة الحكومة و٧٢ منطقة واقعة في النزاع . 
وتصريحات المسؤولين في حركة طالبان بترويج سيطرة الحركة على اراضي البلاد بنسبة ٨٠ او ٨٥ بالمئة مع ترويج الاعلام الغربي لهذا الامر يدفع للقبول بالحركة كحاكم فعلي الارض والتسويق لها ومن ثم الاعتراف بها "واقع حال" وايضا يؤكد هذا التوجه هي زيارات وفود الحركة للعواصم المجاورة لاعطاء تطمينات وعرض مشروعها السياسي .
القبول والاعتراف بشرعية سلطة طالبان وسيطرتها على البلاد بقوة السلاح مؤشر خطير لان هذا يدفع بسيناريو تشكيل امارة اسلامية كما في السابق وتتحول البلاد الى حاضنة لكل التنظيمات السلفية والوهابية ومنها المجموعات المسلحة في سورية المدعومة من انقرة وهذه التنظيمات لن تلتزم باي اتفاق فيما بينها وتتصارع على النفوذ وغياب دور طالبان عليها كما حدث ويحدث في الشمال السوري وينتقل الصراع الى الدول المجاورة ومن ثم ياتي الصراع المزمن على البلدان الاخرى فضلا عن ان مسعى واشنطن تحويل افغانستان الى عصا للضغط على ايران اولا وروسيا والصين ثانيا وباكستان وتركيا ثالثا، والغريب في الامر منذو ستة اشهر وحكومة افغانستان ينقصها وزيري الدفاع والداخلية ، وهل من المعقول في بلدا يواجه حربا متعددة الاطراف تكون حقيبتي الدفاع والداخلية شاغرتين؟، والطريفة ان الصراع بين المسؤولين كان احد اسباب نجاح طالبان في التوغل اكثر ففي ٩٣ و٩٤ كان الصراع بين حكمتيار والاحزاب الستة وانتهت لصالح طالبان ، واليوم ايضا الصراع بين اشرف غني و عبدالله عبدالله ادى لتشكيل حكومة ضعيفة ساعدت لخلق مناخ استثمرته الحركة في توسعها وتكثيف هجماتها في البلاد. 
عند الحديث عن المفاوضات الافغانية في طهران ، لابد ان نستذكر دور مستشار الامن القومي الافغاني السابق محمد حنيف اتمر عندما زار طهران في العام ٢٠١٦ طلب من المسؤولين الايرانيين اجراء مباحثات بين طالبان وحكومة كابل من اجل الوصول الى حل سياسي وشامل في البلاد ، فذهب وقتها الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي الايراني واجرى لقاءات مطولة مع طالبان ونقلها لحكومة كابل لكن لم يرد الجواب من المسؤولين الافغان بسبب الضغط الاميركي وعدم اجراء اي مفاوضات افغانية افغانية . 
الجمهورية الاسلامية تدعم الحكومات المركزية وتشدد على التبادل السلمي في السلطة في بلاد ومنها افغانستان وهذه استراتيجية طهران في التعامل مع ملفات المنطقة وقد اجرت مباحثات مطولة مع وفد طالبان وكذلك مع وفد كابل المتكون من ممثلين عن الرئيس الافغاني اشرف غني ورئيس للمصالحة الوطنية عبدالله عبد الله وقائد حزب الوحدة الاسلامي محمد محقق والجنرال دوستم ، وكانت نتائجه اما امارة اسلامية يدخل فيها الجميع او حكومة اسلامية وتكون طالبان احد المشاركين فيه ، وقبول طالبان بمناقشة هذا الامر بحد ذاته والتباحث حوله انجاز يحسب لطهران ، وهذه المفاوضات تختلف عن مباحثات الدوحة لان الاخيرة عبارة عن شراكة سياسية بين واشنطن وطالبان فيما كانت مفاوضات طهران تعتمد بالدرجة الاساس على الحوار الافغاني الافغاني وتقريب وجهات النظر بين الخصمين ، وهذا جوهر السياسة الخارجية الايرانية واي نتائج تتمخض عنها ستعكس تاثيراتها على المنطقة. 
الهدف الاميركي هو حرب افغانية افغانية لكن دخول ايران على خط الازمة قلب المعادلة لذا اعتقد ان مفاوضات طهران هي من ستحدد مستقبل افغانستان بالاضافة سيكون لطالبان التاثير الاكبر في شكل النظام السياسي للبلاد ، كما ان الادارة الاميركية منشغلة في حربها التجارية والتوسعية مع خصمين هما روسيا والصين (القوة الصاعدة) ، وبالتالي واشنطن مجبرة على تبريد الملفات الساخنة في المنطقة وتدخلها لن يكون كالسابق ، وهذه فرصة لانجاح المفاوضات الافغانية وتحديد شكل النظام السياسي المقبل.
وللامانة التاريخية ، ان الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني قد ذكر في العام ١٩٨٥ ان كابل ستكون شريكا اساسيا في محور المقاومة .