الرياض و الطريق إلي دمشق..
إعادة الحسابات الإستراتيجية
يقف المتابعين والباحثين السياسيين، أمام التطورات السورية، في نقطة أقل ما يُقال عنها، بأنها مفاجئة وصاعقة، فالمراقب لمجريات الحرب على سوريا، وما أفرزته من نتائج في المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وعطفاً على العمق الاستراتيجي الجديد، الذي هندسته مجريات الحرب، كل هذا يجعل المراقب في حيرة من أمره، فكيف يُمكن لدولة شرق أوسطية، أن تتجاوز وتتخطى عدوان أكثر من مئة دولة، وتجييش واستنفار استخباراتي إقليمي ودولي، في سبيل إسقاط الدور السوري الفاعل والمؤثر في عموم المنطقة، لكن اليوم تنطلق كافة التقديرات، من جزئية الانتصار السوري، الذي أسس لمنظومات إقليمية ودولية جديدة، فمن كان يسعى لإسقاط الدولة السورية، ورمزها الدكتور بشار الأسد، بات اليوم يبحث عن طرق أمنية وسياسية توصله إلى دمشق، وهذا لا يُعد ضرباً من الخيال، وإنما حقائق ووقائع يراها الجميع.
السعودية، كانت في بداية الحرب على سوريا، رأس حربة متقدم في الجغرافية السورية، وكافة التقارير التي صدرت في إطار الحرب على سوريا، أكدت وبالوثائق بأن الدور السعودي كان الداعم الأكبر للمجموعات الإرهابية في سوريا، فضلا عن التنسيق السعودي مع الولايات المتحدة، وإنشاء غرف عمليات لإدارة المعارك في الجغرافية السورية، لكن صمود الدولة السورية وكافة مؤسساتها، قلب كافة الموازين، وهنا لا نتحدث فقط عن دعم روسي وإيراني للدولة السورية، وإنما دقائق الأمور، تؤكد بأن سر الصمود السوري، ينبع من معادلة الشعب والجيش والقائد، الأمر الذي أرخى معادلات الانتصار على الواقع السوري، وتخطي الأجندات المعادية، والوصول إلى مشهد اليوم، الذي برهن لكافة القوى الإقليمية والدولية، بأن الشعب السوري، وحده وفقط من يُهندس السياسات، ويقلب الوقائع إلى صالحه وصالح قيادته السياسية.
حقيقة الأمر، وفي سياق التطورات السورية على الصعيد السياسي، جاءت زيارة وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني، إلى العاصمة السعودية الرياض يومي 26 و 27 أيار 2021، لحضور الاجتماع السابع والأربعين للجنة منظمة السياحة العالمية في غرب آسيا، وتأتي هذه الزيارة بدعوة من وزارة السياحة السعودية ولجنة منظمة التجارة العالمية في غرب آسيا، وهي أول زيارة لمسؤول سوري إلى السعودية منذ 10 سنوات، بعد اندلاع الحرب على سوريا.
في عمق زيارة الوزير السوري إلى السعودية، ثمة حقائق ترتكز على معطيات غاية في الأهمية، خاصة أن الزيارة تتم في وضع اتبعت فيه الحكومة السعودية، سياسة المعارضة القصوى للحكومة السورية الشرعية على مدار العقد الماضي، ولم تتخل عن أي إجراء لإنهاء سلطة بشار الأسد. وبالتالي فإن أهمية الزيارة تأتي ضمن تحولات ثلاث:
اولاً- تأتي زيارة وزير السياحة السوري إلى السعودية، ضمن إطار عودة العلاقات السورية السعودية، وبصرف النظر عن مناسبة الزيارة وظروفها، إلا أنها تعكس شرعية الحكومة السورية، وبأن الدولة السورية هي صاحبة المصداقية في التعاطي مع دول الإقليم.
ثانياً- يبدو أن المسؤولين السعوديين قد أدركوا أخطاءهم الاستراتيجية في النظر إلى حكومة بشار الأسد والحكومة السورية الشرعية على مدى العقد الماضي، ولديهم الآن استراتيجية لوقف التصعيد وتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
ثالثاً- السعودية، بسبب موقعها التقليدي الخاص كزعيمة للعالم السني، وكذلك بسبب قوة اقتصادها، أثرت دائماً علي قرارات الدول العربية الأُخرى في تبني السياسة الخارجية، وطبقاً لهذه القاعدة، يمكن قراءة بداية عملية خفض التصعيد بين السعودية وسوريا، كنافذة لاتساع نطاق عملية خفض التصعيد مع دمشق في العالم العربي.
في المحصلة، يُمكن القول بأن زيارة مسؤول حكومي سوري رفيع المستوى، إلى الرياض، بالتأكيد ستلعب دورًا مهمًا وأساسيًا في تعزيز شرعية الدولة السورية إقليمياً ودولياً، فـ بعد سنوات من التوتر الشديد بين جامعة الدول العربية ومجلس التعاون، مع الحكومة السورية الشرعية، يبدو أن العالم العربي قد أعاد النظر الآن في استراتيجيته تجاه بشار الأسد، الذي أثبت للجميع بأنه القائد الذي لا يُهزم، وبأن معادلات الإقليم لا تزال في يديه، وفي جانب أخر، فإن سياسة المعارضة القصوى للأسد فشلت؛ لأن العرب يعرفون جيداً أن الحكومة السورية قد انتقلت من مرحلة الفوضى والأزمة الشاملة، إلى مرحلة الانتصار والتعافي، وأن قضية انهيار الحكومة وتخلي الأسد عن السلطة باتت من الماضي.
المصدر: إيطاليا تلغراف
التعليقات