تحالف الشام بين المعوقات والمحركات!


ينظر دوماً للاقتصاد على أنه العمود الفقري للسياسة ،واذا اعتبرنا السياسة تلك العربة فإن الحصان الذي يجرها هو الإقتصاد ،فاذا كانت بنية الإقتصاد قوية أو تعددت الخيول التي تجر العربة فإن السياسة ستنطلق بقوة.
لذلك نرى الدول تسعى لبناء اقتصاداتها وتعزيزها حتى أن بعضها بادر لإنشاء تحالفات اقتصادية وفقا لمصالحها أو تنفيذا لإملاءات دولاً عظمى تقود المشهد ،ويندرج هذا تحت بند المصالح أيضا وقد تابعنا مؤخرا الحديث عن تحالف الشام الجديد ،والذي يضم مصر والعراق والاردن لبناء تكامل اقتصادي وسياسي وأمني بالرغم من أن التنسيق الأمني شبه متكامل بين هذه الدول انسجاما مع قطار مكافحة الارهاب الذي صنعته أمريكا ،وطلبت من الجميع الصعود إليه ،ومن لا يركب به لأي من الأسباب يصنف بأنه يقف في وجه أمريكا.
ويعتبر هذا التحالف فعل ،لذلك من المتوقع أن تتشكل ضده ردود أفعال مختلفة المقاس معاكسة له في الاتجاه بسبب التاثيرات السلبية له على بعض دول المنطقة في حال نجح هذا المشروع  الذي يرتكز في بداياته على إنشاء خط أنابيب ينبع من البصرة وصولاً إلى مصر ومروراً بالأردن لنقل وتسويق النفط العراقي بين دول التحالف ،يقابله توصيل خط كهرباء يبدأ من مصر مروراً بالأردن وصولاً إلى العراق لنقل الطاقة الكهربائية ،ولا أريد الحديث عن الفنيات  والعناوين المعلنة لهذا التحالف بقدر التركيز على استكشاف المعوقات والمحركات الاستراتيجية لهذا الصاروخ الاقتصادي السياسي الامني الذي سيحمل معه مشاريع تنموية عملاقة في المنطقة إذا كتب له النجاح.
ولو حاولنا التفكير خارج الصندوق  لوجدنا أن الفائدة التي سيجنيها العراق تكاد لا تذكر ،فهو الذي يقدم النفط للدولتين بأسعار منافسة ،وستنحصر تجارته مستقبلاً وتدريجياً ضمن دول تحالف الشام ،والتي هي بدون شام بينما هو يمارس هذا الدور الاقتصادي  التكاملي معتمداً على تجارته مع إيران وخصوصاً ملفات الطاقة المختلفة.
وهذا التحول الاستراتيجي قد يضع العصي في الدواليب ،وينذر بظهور معوقات لمنع هذا المشروع من الانتقال لمرحلة التنفيذ ،وربما تهدف استراتيجية هذا التحالف الذي رسمته السياسة الأمريكية لتحويل حركة التبادل  الاقتصادي مع ايران ،وتعميق تأثير الحصار عليها سيما وأن بعض العلاقات التجارية بين البلدين كانت تستثنى من العقوبات بدواعي إنسانية ،لذلك رأت أمريكا ضرورة إيجاد بدائل لثني العراق عن التعامل مع ايران ،وانتزاعها من الحضن الايراني وإعادتها الى الحضن العربي من خلال هذا التحالف.
ولا ننسى أن الدول الاستعمارية عادة ما  تبحث عن مصالحها ،ولو أدى بها ذلك لقتل اقتصادات أو تدمير دول ،وقد لا تكون أمريكا مهتمة بمصلحة أعضاء التحالف بقدر اهتمامها بتمزيق النسيج العقائدي الذي أوجدته في المنطقة ،ويحكم المشهد السياسي في كل من ايران والعراق علما بأن التخطيط لهذا التحالف بدأ منذ فترة طويلة من الوقت ،ولم ينضج إلا في عهد الحكومة العراقية التي باركتها امريكا.
لذلك نرى أن مهمة هذا التحالف لن تكون سهلة وستصطدم بعراقيل قد تمنعها من رؤية النور كما رسم لها ،فإيران ومن خلفها سوريا ولبنان ستقف عائقا في وجه أي خطوة جديدة تتبع إبرام الاتفاق ما لم تتغير ملامح المشهد السياسي ،ويتم رفع الحصار عن إيران وسوريا وعودتهما للحظيرة الدولية ،الامر الذي قد يحدث تعديلات جوهرية على هيكل هذا التحالف وأهدافه صعوداً أو نزولاً ،وربما انتشاره ليطال دولاً أخرى كون بناء هذا التحالف جاء في ظروف سياسية غامضة تشهد انقسامات كبيرة في المنطقة ناهيك عن أن أمريكا لا تدرك جيدا إستراتيجية العلاقة بين إيران والعراق ،وبأن العراق لا يمكن له أن ينفك عن الجسم الايراني بمجرد توقيع اتفاق هنا او هناك على الأقل خلال المئة عام القادمة.
من هنا نتوقع أن يبقى هذا التحالف في بطن امه ،ويحتاج إلى عملية قيصرية كبرى ،وقد تؤدي لموت الجنين ،وعدم الانتقال لمرحلة التنفيذ المباشر ،وخصوصا إذا أجريت انتخابات عراقية ،وأوصلت طبقة سياسية للحكم  بخلطة إيرانية ،فربما سيعجل هذا في نسف مضامين هذا المشروع ،لأن أصل التحالف يقوم على التمويل العراقي ،ولو أنه بمقايضة النفط بدلا من باقي مستلزمات المشروع ،وقد يتعرض هذا الاتفاق لمزيد من موجات المد والجزر السياسي وفقاً للتغييرات المرتقبة لإحداث تعديلات إستراتيجية في الرسم المعياري للتحالف.