بين بكين والرياض: قمم وحذر وآمال
تستقبلُ الرياض يوم ٢٠٢٢/١٢/٨، الرئيس الصيني ، في زيارة ، تُعْد تاريخية في توقيتها وفي ابعادها وتداعياتها العربية والاقليمية و الدولية.
تنتظرُ الرياض رئيساً ، له من الصفات والمهام ، ما ليس للآخرين من رؤساء الدول العظمى: فهو الاب الروحي للحزب الشيوعي الصيني، وتّمَ اعتبار أفكاره بمثابة أسس لسياسة الصين للفترة المقبلة ، و منحهُ الحزب الشيوعي الصيني صلاحيات أوسع من تلك التي منحها للرئيس ماو تسي تونغ.
تنتظرُ الرئيس الزائر ثلاث قمم: قمة صينية – سعودية، وقمة صينية – خليجية، وقمة صينية – عربية، وزيارات الى الرياض وجدّة ومدينة نيوم الساحلية.
وموضوع القمم الثلاث يُذكرنا بزيارة الرئيس الامريكي السابق ترامب عام ٢٠١٧ ، والذي كرّمته المملكة بإستقبال إستثنائي وبقممْ ثلاث كذلك، ولكن سيّان ما بين الرئيس الامريكي السابق ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ!
الزيارة تدّلُ على ادراك الصين لاعتبارات سياسية استراتيجية تخّصُ المملكة والمنطقة والعالم ، فما هي؟
تدرك الصين الدور القيادي السياسي والاقتصادي الخليجي والعربي للمملكة العربيه السعودية ، وتدرك ايضاً عمق التغيرات الاجتماعية و السياسية التي شهدتها المملكة ، وبوصلة التوجهات السياسية التي تخطّها المملكة اقليمياً ودولياً .
مملكة اليوم هي ليست مملكة الامس ؛ لم تعدْ مُرتهنة بسياسة القطب الواحد، تؤمن وتطبّق وعلناً سياسة تعددّ الاقطاب ، وقد شهدنا ذلك بموقفها في استصدار قرار أوبك + الاخير ، وبالاتفاق مع روسيا والدول الاعضاء والذي قضى بتخفيض انتاج النفط.
تُعدْ المملكة اليوم اكبر مصدّر نفطي للصين؛ نفط المملكة للصين يشكّل ١٦٪ من مجموع ما تستورده الصين ، بعدها روسيا بنسبة ١٥٪ ، يليها العراق بنسبة ١٠٪ .
بين المملكة والصين تعاون عسكري مُتقدمْ ، في الصواريخ البالستيّة وفي الطاقة النووية، أزعجَ واغاظَ الولايات المتحدة الامريكية ، التي أوفدت رئيس المخابرات المركزية الامريكية، السيد ويليم بيرس الى المملكة في شهر مايس الماضي والتقى بسمو ولي العهد. ( حسب موقع ذا انترسبت الامريكي في ١٣ مايو عام ٢٠٢٢ ) .
تجدر الاشارة بأنَّ التعاون السعودي الصيني في تطوير الصواريخ البالستية ترسّخ بعد ان سحبت امريكا بطاريات صواريخها من المملكة .
تنظيم القمم الثلاث في الرياض رسالة من المملكة للصين وللعالم بدورها القيادي العربي، واعتقد بأنَّ هذا الدور سيتعزًز عربياً و اقليمياً و دولياً حين تُكلّل مساعي المملكة بإنهاء حرب اليمن، و بعودة سوريا الى الشمل العربي، و بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وبتفعيل مبادرة السلام العربية، والتي اطلقتها المملكة عام ٢٠٠٢ .
تدركُ الصين وآخرون متابعون للمسار السياسي والاقتصادي للملكة العربية السعودية ، ونحنُ من بينهم ، بأنَّ تمسّكُ المملكة وايمانها بعالم متعّدد الاقطاب ، وليس احاديّ القطب، سيصّبُ في تعزيز دور ونفوذ المملكة إقليماً و دولياً .
الزيارة و القممْ المُنتظرة لا يخلوان من حذرْ ، ما هو ولماذا؟
هو حذر يراودُ الصين مثلما يراودُ المملكة ، و حذر وترقّب ينتابان امريكا مثلما يشاغلان إيران .
حَذرْ الصين حكومةً و حزباً من أن لا تبتلْ بالماء الاسن في الشرق الاوسط ، اي أن لا تكتوي بسخونة ملفات المنطقة ؛ فالصين علاقات استراتيجية عسكرية واقتصادية مع ايران ، وموقف دعم وصداقة مع سوريا ، وستحرص الصين على ان تكون لها ذات العلاقات الاستراتيجية مع المملكة، ولربما يكون هذا الحذر دافع للصين للعمل على تقارب سعودي ايراني، وعلى تفهّم صيني بضرورة عودة ايران الى الاتفاق النووي ، ولمصلحة امن واستقرار المنطقة .
حذرْ سعودي من تسويق البعض، وخاصة من الجانب الامريكي ، لهذه الزيارة وكأنها خلع عباءة امريكية و ارتداء عباءة صينية .
المملكة عازمة بكل تأكيد ( هذا ما نستنتجه من المتابعة والتحليل ) ، على المضي في مسار سياسية دولية متعددة الاقطاب ، وبرداء وطني و قومي عربي . وايران تحاول اغتنام فرصة هذا التحوّل في توجّه المملكة نحو سياسة دولية متعددة الاقطاب ، وعلاقات متميّزة روسية سعودية، وصينية سعودية ، من اجل اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، و هذا ما يفسّرُ طلب ايران المتكرر لوسطاء كُثرٌ بضرورة السعي من اجل اعادة العلاقات الايرانية السعودية ، واعتقد حضور موضوع العلاقات السعودية الايرانية في جدول اعمال الزيارة التي قام بها السيد رئيس وزراء العراق لطهران قبل يوميّن.
زيارة الرئيس الصيني للمملكة لن تسرْ كثيراً قادة الكيان الاسرائيلي ؛ هولاء يرون في الزيارة ترسيخا لمسار توجّه المملكة في سياستها نحو الشرق ونحو محور آسيوي ، و يقلّل من الدور الامريكي، ويلغي سياسة الاملاءات التي اعتادت عليها الادارة الامريكية مع كثير من الدول ولصالح الكيان الاسرائيلي . وسنرى ردود خشيّة وحذر الاعلام الاسرائيلي من نتائج الزيارة على المدى القصير و البعيد .
لن ابالغْ في القول و في الامال المرجوّة من نتائج هذه الزيارة في تعزيز مسار الامن والاستقرار في المنطقة ، زيارة الرئيس الصيني هي ليست كزيارة الرئيس السابق الامريكي ترامب ، ولا كزيارة الرئيس بايدن ، التي ساد على أجوائها طابع البرود ، وفاضَ من محتواها طابع النفعيّة الاحاديّة الامريكية.
التعليقات