هل تنجح أمريكا بأحلال دور مصر في غزّة بدلاً من دور أيران ؟


         بعد نهاية عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ،اي بعد نهاية حالة الحرب و العداء مع اسرائيل ، سعتْ و لا تزال امريكا  بأن يكون لمصر دوراً عربياً و أقليماً محسوباً بقدر مصلحة و تفوّق اسرائيل في المنطقة . لنأتي بشواهد من الواقع السياسي ألمُعاصر على ما نقول : في حرب تحرير الكويت ، لَعبَ الرئيس المصري الراحل حسني مبارك دوراً اساسياً في اقناع الرئيس الامريكي جورج بوش الاب بالاستعجال في اعلان الحرب لتحرير الكويت ، وعدم الركون الى المناورات السياسية والدبلوماسية ، والمُتبناة ،حينها وبقوة ،من قبل الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران . و كمكافأة للدور الذي كفلتهُ مصر عربيا و دولياً ، حينها ،اتخذت وزارة الخزانة الامريكية قراراً يقضي بأطفاء ديون مصر او بعضها ، وبقيمة ١١ مليار دولار .
شاهد آخر : وهو قرار الرئيس اوباما ، عند انتخابه عام ٢٠٠٩ ،رئيساً للولايات المتحدة الامريكية ، باختيار جامعة القاهرة لالقاء خطابه الموجّه للعالم وللمنطقة وللعرب .
    ولكن ، لم تستطعْ امريكا مِنْ أعادة الحياة للدور وللتأثير المصري العربي و الاقليمي ،الذي شهدناه ابان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، والذي ارتكزَ على ثلاثة ابعاد استراتيجية: البعد القومي والعروبي ، البعد الفلسطيني ، والبعد التحرري والنضال ضّدْ الامبريالية والصهيونية و الرجعية .
    لم يعُدْ الآن دوراً او اثراً أيجابياً للبعدْ القومي و العروبي . استطاعت الامبريالية و الصهيونية من تدوير البعد العربي و القومي في أتجاه  مُضاد لمصلحة  ولأمن الامة العربية بآليات التفاوض و السلام والتطبيع مع اسرائيل دون ايَّ مقابل للشعب الفلسطيني . ولم تعدْ القضية الفلسطينية قضيّة العرب المركزية ، بل اصبح البعض من العرب يعجّل و يساهم في تصفيتها . 
   تبّنتْ ايران القضية الفلسطينية ، واصبحت فلسطين قضية ايران المركزية وليست قضية العرب ، و تعاملت ايران مع القضية الفلسطينية من بُعديّن اساسيّين: من بعد نضالي و تحرري ضّدْ الامبريالية و الصهيونية ، ومن بعد اسلامي وسياسي و أمني . البعض يتهم ايران بأستغلال وبتوظيف القضية الفلسطينية من اجل مصالحها و نفوذها ! بيدَ ان ايران تعاني و تقاسي بسبب هذا التوظيف ، و الذي يصّبُ في صالح القضية ويحول دون اندثارها و تصفيتها . و ندعوا الباري عزّ وجلْ أن يمّكنْ العرب على توظيف قضية فلسطين وتبنيها مثلما توظفّها ايران ! ياليت العرب فعلوا ذلك ليكون لهم النفوذ و للقضية الفلسطينية الاستمرار والخلود . 
          فقدَ العرب نفوذهم و دورهم الاقليمي و الدولي عندما فقدوا القضية الفلسطينية ،او عندما تعاملوا مع القضية دون اعتبار لعدالتها ولانسانيتها و لقدسيتها و لمضلومية الشعب الفلسطيني .
        تسعى امريكا ، ولكن دون جدوى ، بتأهيل الدور المصري لقيادة المسار الفلسطيني ، و خاصة في غزّة ،
كي تحّل مصر محل ايران ، وهذا ما يُفسّر مبادرات مصر المالية ( تبرّع ب ٥٠٠ مليون دولار لاعمار غزة ) ، و السياسية و الامنية ؛ مبادرات بمباركة امريكية و اسرائيلية  ، و بكرم امريكي ! 
    أضاعت مصر دورها الفلسطيني و العربي و الاقليمي ،
و أضاعَ العرب كذلك دورهم الفلسطيني و الاقليمي و لصالح أيران ، و السبب هو  اتباّعهم لاهواء و رغبات امريكا بأنصياع و دون انصاف او تفسير او اعتراض ، والتي هي اهواء و رغبات الصهيونية و اسرائيل .
مصر وبعض العرب تورطوا باتفاقيات سلام وتطبيع وتعاون دون ايَّ مقابل لقضية ولشعب فلسطين ، ومما يزيدهم تورطاً و حيرة و احراجاً هو استمرار اسرائيل بالتوسع وارتكاب الجرائم و الاستهانة بهم وبالقوانين الدولية . كما ان الامكانيات المادية و الاقتصادية المحدودة لمصر ، و ملفاتها الداخلية تشكّل عائقاً اساسياً لايَّ دور مصري عروبي او لصالح عدالة القضية الفلسطينية . 
    لن يقايض الغزاويون دور ايران بدور مصر ، لن يقايضوا 
الدعم الايراني في السلاح وفي المال بوعود و بمفاوضات مصرية او عربية او دولية . لن تتكبّل الفصائل الفلسطينية في غزّة بوعود واتفاقات سلام مع اسرائيل ، الفصائل في غزّة لم تقعْ في الورطة التي وقعت بها السلطة الفلسطينية في رام الله . أصبحت فصائل المقاومة في غزّة تمتلك ،ليس فقط قدرات عسكرية ، وانما ايضاً قدرات و علاقات سياسيّة، تؤهلها للأحتفاظ بدعم محور المقاومة وفي المقدمة ايران ،  والتعامل مع 
المبادرات المصرية بأيجابية وبأستقلالية .