الفرص والتحديات السياسية والأمنية للعراق في ظل تنامي العلاقات مع المملكة العربية السعودية


"علاقات هشة وقلقة ومتذبذبة" هو أقل ما يمكن أن توصف به العلاقات بين الدولة العراقية وبين المملكة العربية السعودية تأريخيا، فبإستثناء فترة العدوان الصدامي على إيران في حرب الثمان سنوات 1980- 1988، والتي شكلت مرحلة تحول فارقة واستثنائية في طبيعة العلاقات بين البلدين، تحول فرضته المصالح المشتركة والدوافع "الدولية" المتخادمة آنذاك أيضا، لإسقاط الدولة الناشئة في ايران وإحباط حركة ثورتها المتوثبة، وطبيعة التحدي المستجد على الساحتين الإقليمية والدولية عادت العلاقات بين بغداد والرياض بعد هذه الحرب المفروضة على الشعبين العراقي والإيراني الى وضعها القلق والهش الذي أسست له عوامل التأريخ وجدلية الشرعية واللاشرعية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وقبل سيطرة عائلة آل سعود على كامل أراضي المملكة وتوحيدها تحت راية واحدة عام 1932 وغذتها السياسات المتخالفة غالبا وعمقتها التقاطعات الدينية والوطنية المتواصلة والتنافسات الجيوسياسية المستمرة في بيئة ديموغرافية يهيمن عليها الطرفان إضافة الى إيران.

مثلت فترة ما بعد عام 2003  أكثر الفترات اضطرابا في العلاقات بين بغداد والرياض فبعد سقوط نظام صدام حسين - الذي كانت تعتبره الرياض حائط صد بوجه غريمها الايراني ومنطقة عزل ومحاصره لخطابه وسياساته ودوره وتأثيره في المنطقة – عادت سياسة الإستعداء السعودية تجاه جارها الشمالي العراق لأسباب طائفية واقتصادية وجيوسياسية. بعد الإحتلال الاميركي للعراق وتأسيسه لنظام سياسي مختلف في طبيعته وهويته وقواه المختلفة عن نظام صدام حسين لتهيمن أجواء إنعدام الثقة على مشهد العلاقات الثنائية.
حكمت أجواء انعدام الثقة بين العراق والسعودية مشهد ما بعد مرحلة صدام حسين لسنوات طويلة فبعد أن كانت الرياض متهمة قبل عام 2003 بالاستثمار في الدم العراقي سواء في دفع نظام صدام حسين لشن الحرب على إيران أو في حث الولايات المتحدة الاميركية على دعم النظام العراقي البعثي في ضرب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وقمع انتفاضة الشعب العراقي بشكل وحشي إنتقلت السعودية بعد عام 2003 للعب أدورا تخربيبة أكبر وبشكل دموي مختلف.


 هذه المرة وتمثل بتكفير شيعة العراق الذين أطلقت منابر المملكة السعودية عليهم تسمية  "الروافض" واتهمتهم بخيانة الأمة والعمالة لحلفائها "الوثنيين" من منابرها الدينية المتطرفة ومنصاتها الإعلامية  وعملت بشكل مباشر ومفضوح على إدارة وتنظيم عمليات إرسال الإنتحاريين التكفيريين الى العراق بعد تهيئة مناخاتها الاعلامية والسياسية اللازمة ليسفكوا الدماء ويزهقوا أرواح الأبرياءبسم الجهاد ومحاربة الكفار!. أعلنت الرياض رفضها إزاحة صدام حسين عن الحكم وإسقاط نظامه لأنه "سيزيح توازن القوى الإقليمي لصالح إيران""(1) بحسب الرواية السعودية ولأجل منع تحقق هذه التخوفات والهواجس عملت الرياض وبدلا من إنتهاج سياسة الإنفتاح والإحتواء والقبول بالأمر الواقع وإستيعاب المتغير الطارئ وبناء علاقات إيجابية على أساس المصالح المشتركة بين الطرفين وفق رؤى بناءة لعموم المنطقة وما تتعرض له من تحديات جيوسياسية.

 راحت الرياض تضع العصي في عجلة المسار السياسي العراقي الجديد بعد أن رفضت الإعتراف به لتضيف أعباء ثقيلة على أعباءه التي صنعها الإحتلال الاميركي للعراق ولتدشن حربا طائفية أهلية بغطاء ديني وهابي ودعم مالي حكومي وتبرير سياسي طائفي وترويج إعلامي عنصري لترفع من وتيرة التوتر المذهبي والطائفي في عموم المنطقة بحجة حماية أهل السنة في العراق الذين تحولت مناطقهم الى حقول تجارب للوصفات القاعدية والداعشية المدعومة والمُروجة سعوديا والغرض هو إرباك الحكومات العراقية المتعاقبة وتحقيق نفوذ واسع ومؤثر يتيح للرياض التحكم بمسارات السياسة والاقتصاد والأمن في العراق ومنعه من الإنخراط في مساعي التحرر من الهيمنة الأميركية والإندماج مع حراك المقاومة المتصاعد في غرب آسيا.

مخاوف وتحولات 
لم تكن التخوفات السعودية من إفرازات الواقع السياسي العراق الجديد بعد التغيير الخارجي بالآلة العسكرية الأميركية تتوقف على خشيتها من التأثير العراقي الشيعي على شيعة المنطقة وفي مقدمتهم الشيعة السعوديون وإنما تعدتها الى غايات ومصالح سعودية تصدرت أولوية سياساتها الخارجية تجاه بغداد تمثلت في السعي الحثيث لمنع العراق من أخذ مكانته وأدواره الإقليمية المنتظرة والمساهمة في صناعة مستقبله السياسي والأمني ومنعه من مزاحمة الرياض وحلفائها وإشغاله بمشاكله الداخلية المزدوجة والمعقدة وتعيمق نفوذها في الداخل العراقي عبر بعض الشخصيات والعشائر السنية والجماعات العراقية ومحاولة احتواء منافسيها الاقليميين كإيران وتركيا فضلا عن منع نمو الاقتصاد العراقي عبر تحجيم نسبة صادراته النفطية.

مشكلة السعودية مع العراق
 "لعل المشكلة السعودية مع العراق الحالي تتمثل بعدة أبعاد أولها بعد سياسي يرتبط بطبيعة النظام السياسي القائم رغم أوجه الضعف والقصور والاختلال فيه إلا أنه يشكل عامل قلق بالنسبة لنظام متزمت ومنغلق يخضع لقوالب صلدة من الصعب جداً كسرها او الخروج منها.
والبعد الثاني ايديولوجي عقائدي يتمثل في ان العراق بهويته الاسلامية  الشيعية التي بات من اليسير على عموم العراقيين التعبير عنها بمظاهر وأشكال مختلفة يختلف مع السعودية بهويتها الوهابية المتشددة التي لا تنسجم ولا تتعايش حتى مع المذاهب السنية المعتدلة ناهيك عن المذهب الشيعي ويزداد القلق السعودي في هذا الجانب بوجود ايران بثقلها وحضورها وتأثيرها الكبير في محيطها الاقليمي وعلاقاتها الايجابية مع العراق رسميا وشعبيا.
اما البعد الثالث فهو اقتصادي إذ ان الوفرة النفطية الكبيرة في العراق واستثمارها بطريقة صحيحة في ظل أوضاع سياسية وأمنية مستقرة يعني بروز العراق كقوة اقتصادية كبيرة منافسة للسعودية وذلك بدوره يفضي الى تعزيز نظامه الديمقراطي والذي من الطبيعي أن يكون المكون الشيعي حاضرا ومساهما وفاعلا فيه بقوة".(2)
أما البعد الرابع والمستجد فهو بروز فاعل مؤثر وهو الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية واحتمالية انتقالها من لعب دور محلي بارز في رسم السياسات الداخلية الى ممارسة دور إقليمي هام مغير للتوازنات الإقليمية وأمتدادتها الدولية في بيئة عالمية متغيرة بإطراد.
والبعد الخامس والأهم فهو الإقليمي ويتمثل بلعب دور منافس وبديل للدور الإيراني في عموم المنطقة وفي العراق خصوصا عبر تحويل إيران من صديق وداعم للعراق ومساند له في أزماته السياسية والأمنية والاقتصادية وبالذات بعد هزيمة تنظيم داعش وتحويله الى مشكلة فقد زُج اسم إيران في الإحتجاجات العراقية عامي 2018 و 2019 وتحميلها مسؤوليات الأداء السيء للنظام السياسي العراقي وشيوع الفساد وتراجع الخدمات فقد صرح مسؤول سعودي يعمل في العراق: ان "هناك ثمار متدلية للسعودية في العراق منها العديد من الشيعة الذين تتنامى نقمتهم على الواقع السياسي المدعوم من إيران".(3)
 
ما الذي تغير    
فرض تغير الإستراتيجيات الاميركية تجاه العراق والانتقال من واقع الإحتلال العسكري المباشر والممارسات الخشنة المكشوفة الى خيار الحروب المركبة وتوظيف الأدوات الدولتية كالسعودية والإمارات والأردن وغيرهم أو اللادولتية كالتنظيمات التكفيرية والعنصرية واستغلالها بممارسات ناعمة - خشنة وسياسات ضغط هائلة فرض تغيرا في المقاربة السعودية للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي العراقي. فما إن تمكن تنظيم داعش من النجاح في إرباك المشهد العراقي المربك والمضطرب أصلا وتوالي سيطرته على بعض المحافظات والمدن العراقية خلال ساعات معدودة وتهديد بغداد وفق عمل منظم وبإدارة أميركية غير مباشرة ودعم سعودي مالي كبير وإعلامي مكثف بهدف إحداث تغيير جوهري في الخارطة السياسية العراقية. حتى أنتج ذلك تغيرا في الواقع السياسي العراقي تمثل بالإنقلاب على نتائج الإنتخابات ووصول حيدر العبادي الى رئاسة الحكومة العراقية عام 2014 وتزامن ذلك مع وصول سلمان بن عبد العزيز الى سدة الحكم في المملكة العربية السعودية.

سياسة محلية أم دوافع دولية
تبني مبدأ "القيادة من الخلف" في استراتيجيات الولايات المتحدة والتعويل على أدوار ميدانية للأتباع والحلفاء منذ عهد أوباما مع توالي المؤشرات المتنامية لإنكفاء القوة الأميركية فرض على السعودية توجها مختلفا تجاه العراق قوامه الدبلوماسية الناعمة والإنفتاح السياسي والإختراق الثقافي والرياضي للساحة العراقية والتشبيك الإقتصادي في مجالات التجارة والنفط والغاز والكهرباء تمثل بمبادرات وحراكات نشطة وغير مسبوقة قابلها تفاعل عراقي حكومي وتجاوب سياسي من بعض الأطراف الشيعية للإستثمار في البيئة الداخلية والمساهمة الفاعلة في رسم معالم المشهد العراقي وفق الرؤى الأميركية المتناغمة في جزء كبير منها مع المصالح والرغبات السعودية إذ رأى مارتن أنديك أن زيارة وزير الخارجية السعودية الى بغداد عام 2017 بشرت حينها بنهج جديد لابد من دعمه وتشجيعه.(4)

البعد الأمني في العلاقات العراقية السعودية
تعاني البيئة الأمنية العراقية من هامش واسع من التحديات وتتشكل من مجموعة معقدة من العناصر والمكونات التي تمتلك تأثيرا كبيرا على المشهد الأمني. ومن أهم هذه العوامل هي السياسة والجغرافيا والاقتصاد والتدخل الخارجي وعوامل أخرى مؤثرة الأمر الذي ينعكس على مجمل وضع الإستقرار المجتمعي ويؤثر بشكل مباشر على حالة الإستقرار العام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا في الداخل العراقي. الأمر الذي يشجع الأعداء والخصوم على الولوج من خلالها الى الساحة العراقية والتأثير في رسم معالم مشهدها الأمني فما ما عاد مفهوم الأمن القومي او مفهوم الأمن الوطني لأي دولة من الدول مقتصرا على البعد المحلي والساحة الداخلية وخصوصا في منطقة غرب أسيا التي تداخل فيها مفهوم الأمن المحلي بمفهوم الأمن الإقليمي وبمفهوم الأمن الدولي. لكونها تقع على المسار الرئيس لإستراتيجيات ومصالح القوى العالمية الكبرى التي تخوض على رقعتها صراع الهيمنة والنفوذ وتتزاحم على مضائقها وممراتها وبحارها.
المعيار الفعلي لتحقيق التفوق في المعادلة الأمنية لمنطقة الخليج لا يقوم بالضرورة على القوة وإنما يقوم على قدرة طرف من الأطراف على فرض سياسة إقليمية تخدم مصلحته ويبدو أن هذا هو الدافع الأساس للتحول الحاصل في السياسة الأمنية السعودية تجاه العراق والهدف هو إيران ونفوذها في المنطقة. الذي يعد مشكلة مؤرقة للسعودية ولحليفها الأميركي ولذلك توسم المشكلة الغربية الإيرانية بأنها ليست بسبب البرنامج النووي الإيراني وإنما بسبب تأثيرها الإقليمي الذي هو بالضد من إسرائيل. فالولايات المتحدة قادرة سياسيا واستراتيجيا على التعايش مع إيران نووية ولكنها لن تتمكن من التعايش مع إيران بتأثير إقليمي واسع.(5)
 لم يتغير النهج السعودي أـمنيا تجاه العراق إلا في لغته المعلنة فمن إرباك الأمن بشكل غير مباشر عبر أدوات مختلفة وطرق متعددة الى إختراقه بشكل مباشر وبطرق رسمية بالتنسيق مع الحكومة العراقية تحت عناوين مختلفة خصوصا في عهدي رئيس الوزراء حيدر العبادري ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
تتشارك واشنطن مع الرياض في التخوف من أدوار ونشاطات فصائل المقاومة العراقية " ومن الضروري ألا يُسمح "للمليشيات" الشيعية التي تديرها إيران - والتعبير لمارتن أنديك - بملء الفراغ وفي الوقت نفسه المشاركة بمد جسر بري بين إيران وسوريا عبر شمال العراق،(6) و تتفقان – واشنطن والرياض – أن الفصائل العراقية ورغم النفي العراقي الرسمي كانت وراء الإستهداف الذي ضرب البنية النفطية السعودية في 14/9/2019 وأدى الى شل حركة عملاق النفط السعودي شركة آرامكو النفطية بعد إصابة معملين يُعد أحدهما أكبر معمل لتكرير النفط في العالم في حدث وصفه محللون عسكريون صهاينة – وقتها – ب"بيرل هاربر الشرق الأوسط" وأن الحادث "أعاد تشكيل المنطقة من جديد".

واقع السياسة السعودية تجاه العراق والمنطقة
واصلت السعودية سياستها السلبية في لهجتها ومواقفها تجاه العراق من خلال إعتباره ميدانا للصراع والإصرار على تعزيز الانقسامات الشيعية الشيعية عبر الانفتاح على المجال الشيعي والموقف السلبي من الوحدة العراقية وتنشيط الحراك الدبلوماسي على مختلف الأطراف العراقية واستمرار الحملات المعادية للحشد الشعبي تزامنا مع رسائل التقدير للهوية الوطنية العراقية والانفتاح على الشباب والنخب.(7)
 ما اختلف في السياسة السعودية هو تغيير اللهجة الى ايجابية من خلال مقاربة تشاركية ولكن مع بقاء المضمون السلبي فهل وجدت الرياض نفسها مضطرة لإجراء تغيير في خطابها وسلوكها أم أن تحولا جذريا طرأ على رؤيتها وطبيعة مقاربتها للمشهدين العراقي والإقليمي العام فبدلا من إثارة المشاكل وانتهاج الأساليب الدموية في العراق وتأجيج النزاعات والتهديد بالصراعات الأهلية في سوريا ولبنان ومواصلة عدوانها على اليمن لجأت المملكة الى وضع قواعد جديدة في التعاطي مع جيرانها تبدأ بالاستغناء عن حليفها الأميركي لتنخرط  مع محيطها في تحالف إسلامي يدير منطقته ويحل مشاكله ويعالج أزماته ويستعيد حقوق شعوبه دون الإعتماد على طرف خارجي؟!
أم أن الحراك السعودي يشير الى رغبة في إعادة رسم دورها الإقليمي ومديات هذا الدور في ظل تراجع أداءها أمام نماذج إقليمية غير عربية كإيران وتركيا لذا سعت الى تغيير نمط إدارتها لصراعات المنطقة بهدف المحافظة على مصالحها. 
أم أن واقع الأمر فرض تغيرا في التوجهات لدى الإدارة السعودية الأمر الذي دعاها لترتيب الأولويات واجراء بعض التغيرات بحكم التحولات الطارئة لتوسع من دائرة انفتاحها على بغداد ومن ثم طهران في مقاربة مختلفة عن طبيعتها المعتادة ومواقفها المعلنة السابقة.

فرص نجاح العلاقات العراقية المتنامية مع المملكة السعودية 
تعول السعودية على مجموعة من العوامل التي تعدها فرصا غير مسبوقة من أهمها: 
1-     التحولات في السياسة الرسمية العراقية منذ عام 2014 والترحيب والتشجيع الرسمي العراقي بدور سعودي متنام ومتسارع في مجالات مختلفة ومديات متعددة.
2-     المصالح المتبادلة للطرفين العراقي والسعودي من مسارات التشبيك الاقتصادي والتعاون الأمني والتنسيق في مجالات النفط والطاقة.
3-     الدعم والحث والرعاية الاميركية للعلاقة بين بغداد والرياض الأمر الذي وفر مناخا مناسبا وأرضية ملائمة لتسريع خطوات التطبيع الكامل والشامل بين البلدين في مجمل المجالات الحيوية.
4-     إنفتاح بعض القوى الشيعية على الرياض أعطاها نوع من المقبولية الإعلامية والمشروعية السياسية لممارسة أدوار مختلفة في الساحة العراقية.
5-     الإنقسام الشيعي البيني داخل العراق شجع السعودية على تغذية الخلافات وتعميق التعارضات في الرؤى والتوجهات الأمر الذي دعاها للعب أدوار اكبر وبمديات أوسع.
6-     نجاح الرياض النسبي في إختراق المشهد الإجتماعي والتأثير الإعلامي في المحركات المجتمعية ودعم بعض الحركات المناوئة لإيران دفعها لرفع سقف الطموحات والتعويل على مخرجات أضخم.

التحديات التي تواجه العلاقات العراقية السعودية
تقف أمام تطبيع العلاقات العراقية السعودية سياسيا وأمنيا حزمة من العوامل والمخاوف التي تشكل تحديات حقيقية من أهمها:
1-    عمق الخلافات والتراكمات التاريخية الدموية بين البلدين ترك إرثا كبيرا وجرحا عميقا سيبقى عاملا مؤثرا في منع تمتين العلاقات بين بغداد والرياض.
2-     التشكيك بالنوايا السعودية والغايات والدوافع المصلحية من تغيير سياساتها حيال العراق وكونها سياسات نفعية مؤقتة تهدف لتحقيق مصالح وغايات مرسومة ومعينة تخدم المملكة السعودية وتضر بالدولة العراقية وشعبها وليس بناء علاقات تكاملية تخدم الطرفين وفق المصالح والتحديات المشتركة. 
3-     إتهام الولايات المتحدة الأميركية بأنها تقف وراء التحولات في السياسة السعودية تجاه العراق وهذا يعني أن تغير الأولويات الأميركية سيعني بالضرورة تحولا في السياسات السعودية ويعني أيضا أن الرياض مجرد منفذ سيء للتوجيهات الأميركية.
4-     عدم معالجة الإرث الدموي والتاريخ السلبي للسياسات السعودية تجاه العراق سواء بالإعتذار للشعب العراقي ودفع التعويضات لضحايا الإرهاب والتكفير والتحريض السعودي أو إبداء مبادرات إيجابية كإسقاط الديون التي بذمة العراق عن الحرب ضد إيران.
5-     المخاوف والهواجس الشيعية والعراقية العامة من الأدوار السعودية في العراق مع تواصل الخطاب الطائفي المعادي للمنظومة الأمنية العراقية وخصوصا الحشد الشعبي.
6-     إستمرار النظر الى العراق من منطلق كونه ساحة وملعبا لمواجهة إيران وليس ساحة مؤهلة للتعاون الإقليمي والتبادل التجاري والتشبيك الإقتصادي.
7-     عمق العلاقات العراقية الإيرانية الرسمية والشعبية ومتانة الأواصر الإجتماعية وقوة المشتركات العقائدية وسعة التداخلات الدينية وحجم الحضور الإيراني والمواقف التاريخية المساندة للعراق رغم حرب الثمان سنوات تمثل عائقا صلبا وعميقا بوجه الرغبات والطموحات السعودية التي ترى في العراق بيدقا تحركه لمصالحها وليس ندا تشاطره العلاقة الندية لمصلحتهما.
8-     التخبط واللإستقرار السعودي العام بفعل التحولات والمتغيرات في المنطقة وليس آخرها الفشل في الحرب على اليمن والإضطرار في الإنفتاح على إيران وتغيير لهجة الخطاب فضلا عن المخاوف الداخلية والخلافات العائلية داخل الأسرة الحاكمة.
9-     البطء الإضطراري في سير مساعي التشبيك الإقتصادي والسعي لإستبداله بدور الجانب الإيراني الذي يقدم تسهيلات تعجز عنها السعودية التي تحركها دوافع مصلحية ذاتية ومصالح أميركية هدفها إدامة حالة اللإستقرار في العراق.
10-    قدرة ومرونة الفصائل العراقية المسلحة في ممارسة أدوار غير مكبلة بالقيود والأطر الرسمية في مشهد أقليمي ودولي بات فيه للقوى اللادولتية تأثيرا كبيرا ومتناميا ما يفرض ضرورة متصاعدة لإعادة النظر بمفاهيم الدولة والسيادة والحدود والعلاقات الدولية.
11-    صعوبة التكييف ما بين سياسة تقوم على الإنفتاح على العراق بهويته الشيعية الغالبة وفي ذات الوقت الصدام مع الوجودات الشيعية سواء المحلية المقموعة أو الإقليمية الصاعدة والمتعددة. 
12-    غياب الرؤية الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية إقليميا ودوليا وشيوع السياسات والتوجهات الآنية والوقتية التي تتحكم بها مخرجات الصراعات ولعبة جر الحبال بين الأطراف الفاعلة في المنطقة.
لا يبدو أن الطريق مفروش بالحرير أمام اللاعب السعودي المتوثب للعب أدوار أكبر من حجمه وامكاناته في واقع عراقي مركب ومعقد ومتداخل وليس من السهل محو تاريخ سلبي وجروح عميقة بمجرد رغبات سياسية أو تلويحات إعلامية او لدوافع خارجية تتعجل تحقيق مكاسب سياسية وأمنية وإقتصادية تستدرج العراق دون رؤية إستراتيجية وبرنامج فاعل بطيء ومتدرج يعزل العراق عن محيطه الحيوي ويحيد دوره ويعطل قواه المتنامية وهو ما لا يمكن تحقيقه في المدى المنظور والمتوسط ما يعني أن العلاقات العراقية السعودية وإن بدت جيدة ومتشابكة في السطح إلا أنها بقيت - كما كان حالها تاريخيا – قلقة وهشة في العمق.   

الهوامش    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-    Secretary of Defense Gate’s May 5-6 2009 Visit to Saudi Arabia, Wikileaks, April 26, 2009. https://wikileaks.org/plusd/ cables/09RIYADH612_a.html.
2-     هل غيرت الرياض توجهاتها حيال بغداد... ولماذا؟ عادل الجبوري، موقع العهد، 18-02-2013.
3-    Geneive Abdo and Firas Maksad, Iraq’s Place in the Saudi Arabian – Iranian Rivalry, National Interest, April 15, 2019
4-      مارتن أنديك، شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن "الإستراتيجية الأميركية تجاه إيران"، 28 آذار/ مارس 2017.
5-     محمد محفوظ، المسألة الإيرانية في العقل السياسي العربي، في كتاب: العلاقات العربية الإيرانية في منطقة الخليج، تقديم: محمد الأحمري، منتدى العلاقات العربية والدولية، قطر، ط1، 2015، ص41.
6-     مارتن أنديك، شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن "الإستراتيجية الأميركية تجاه إيران"، 28 آذار/ مارس 2017.
7-     أنظر مثلا: المملكة العربية السعودية: العودة الى بغداد، مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 186، 22 أيار/ مايو 2018.
https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iraq/186-saudi-arabia-back-baghdad"