إبراهيم رئيسي ومستقبل الاتفاق النووي مع القوى الدولية.


إبراهيم رئيسي ومستقبل الاتفاق النووي مع القوى الدولية.
بقلم.. الدكتور

مع وضوح المشهد الإيراني، حيال جُملة الملفات الإقليمية والدولية، ومع تجاوز مرحلة الانتخابات الرئاسية في إيران، وفوز السيد إبراهيم رئيسي؛ يبدو أن هناك مرحلة جديدة يجري التحضير لها، في سياق السياسات الإيرانية، وعطفاً على ذلك، ثمة تساؤلات فرضت نفسها مع وصول رئيسي، تتعلق بكيفية تجاوز تعقيدات المباحثات في فيينا، خاصة أن هناك مصادر مقربة من صانع القرار الإيراني، أكدت أن هنالك تعديلات في أجندة المحادثات، ومواقف مختلف الأطراف، من أجل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، بين إيران ودول خمسة زائد واحد.

رئيسي في هذا الإطار، كان واضحاً لجهة العودة إلى الاتفاق النووي، لكن في ذات التوقيت، فأنه يرفض معادلة المحادثات المباشرة نظيره الأمريكي جو بايدن، رغم أنه كان قد وعد في حملته الانتخابية بجعل استعادة الاتفاق النووي واحدة من أولوياته في السياسة الخارجية، وهذا ما لا يتناقض مع جوهر سياسية رئيسي، ولا شك، بأن موقف رئيسي يتماهي جُملة وتفصيلاً مع موقف المرشد علي الخامنئي، إذ أن فوز إبراهيم رئيسي، المحسوب على القوى المحافظة في إيران، والمقرب جداً من خامنئي، يُعطي إشارة واضحة حيال مسار المباحثات في فيينا، إضافة إلى قوة الموقف السياسي، وهندسة اتفاق نووي لا يتجاوز سقف طهران، ويفرض قوة الموقف الإيراني، الرامي إلى الوصول لبلورة اتفاق جديد، يتم بموجبه حفظ حقوق طهران، ورفع كامل العقوبات عنها، ولا شك، عن حلفاؤها أيضاً.

رئيسي الذي سيتولى منصبه بداية من شهر أغسطس/ آب، خلفاً للرئيس الإصلاحي حسن روحاني، الذي كان يسعى لإعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، والذي تم التخلي عنه من طرف إدارة الرئيس دونالد ترامب في 2018، في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن انتخاب رئيس جديد لا يعني أي تغيير في السياسة والمواقف الإيرانية، باعتبار أن المرشد الأعلى علي خامنئي هو الحاكم الفعلي للبلاد، بحسب الرؤية الأمريكية،  إضافة إلى ذلك، كان نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية، قد أكد في يوم 21 حزيران/ يونيو رغبة بلاده في إقناع كل الأطراف بالالتزام ببنود اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة.

وأضاف هذا الدبلوماسي الأمريكي أن إنعاش الاتفاق النووي هو فرصة لواشنطن للحصول على قنوات جديدة للضغط على طهران في ملفات أخرى، من بينها البرنامج الصاروخي، ودعم منظمات تعتبرها الولايات المتحدة "إرهابية"، إلى جانب قضايا حقوق الإنسان.

كريم ساجابور، الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، يقول: "إن فريق الرئيس بايدن بات في وضع لا يحسد عليه، وربما ستعمل الإدارة الأمريكية الآن على تكثيف جهودها لمراجعة بنود الاتفاق النووي، قبل تسليم السلطة لإبراهيم رئيسي، ووصول فريق جديد من السياسيين المحافظين". كما يعتقد ساجابور أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة، على إرغام إيران على القيام بتنازلات إضافية تتجاوز بنود الاتفاق الأصلي.

حقيقة الأمر وضمن ما سبق، فإن إدارة بايدن، تواجه صعوبات في إحراز تقدم في الملف الإيراني، أولها أن إبراهيم رئيسي عبّر بعيد انتخابه عن رفضه لتوسيع نطاق بعض بنود الاتفاق؛ إذ تؤكد واشنطن على أهمية السماح للمفتشين الأمريكيين بالدخول للمنشآت النووية الإيرانية، رغم أن خطة العمل الشاملة المشتركة تتضمن بندا ينص على أن ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هم فقط المخولون للقيام بهذه المهمة. وهنالك عائقا آخر أمام استعداد طهران للحوار، يتمثل في أن رئيسي هو أول رئيس تسلط عليه عقوبات أمريكية قبل وصوله للرئاسة. وهذا قد يعرضه لمشاكل عند السفر للخارج لإلقاء خطابات في الأمم المتحدة على سبيل المثال. وقد أكد البيت الأبيض ووزارة الخارجية إصرارهما على عدم رفع هذه العقوبات الشخصية ضد رئيسي، التي فرضت في عهد ترامب بناء على اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.

في ذات الإطار، بات واضحاً أن الكرة الأن في ملعب واشنطن، ولا يُمكن القول بأن إيران هي من تقوم بتعطيل مسار المباحثات، أو أنها من أخلّت ببنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وضمناً فإن نتائج جولات المحادثات الماضية في فيينا، وغياب التواصل بين مختلف الأطراف في بعض الفترات، كلها مظاهر لا تبعث على التفاؤل. وتعمل بعثات الدول الوسيطة في هذا الاتفاق، وهي روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والصين، على تنظيم مشاورات منفصلة مع الوفد الأمريكي، حيث إنه لا تدور أي مفاوضات مباشرة بين الأمريكيين والإيرانيين.

 في المحصلة، صحيح أن طهران ستستفيد من الاتفاق النووي الجديد، لكن الصحيح أيضاً، أن طهران ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى الاتفاق، خاصة أن تأقلمت مع العقوبات الأمريكية، وفرضت واقعاً بموجب ذلك، جعل من العقوبات فرصة واستثمار، وفي شتى المجالات، وبالتالي على واشنطن أن تُدرك بأن إيران اليوم قوة اقليمية، لا يمكن أن ترضخ للمطالب الأمريكية، وهي ليست كباقي الدول التي طأطأت رأسها أمام العنجهية الأمريكية، وعطفاً على ذلك، فإن رغبات إيران بهندسة اتفاق نووي جديد، وبشروط جديدة، إنما تعكس انتصار إيران، وهذا يؤكد بأنها ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى اتفاق هي في الأصل لم تخرج منه.