ديمقراطية الطالبان!
بعد أن انجلى الليل الأفغاني، وانكسر القيد، إنحنت أمريكا سياسياً وعسكرياً أمام إرادة الشعب الأفغاني وبنادق الطالبان ،وانكشف العملاء والجواسيس كالعادة ،وبدأوا رحلة الهروب من العدالة التي قد تنتظر بعضهم ،ويسجل هذا النصر التاريخي للإسلام السياسي الطالباني ،بعدما فشلت معظم تيارات الإسلام السياسي في إنجاح مشاريعها بسبب التآمر عليها إلى جانب هشاشتها السياسية ،وعدم إلمامها الكافي بفنون قيادة الشعوب ،واقتصار خبراتها على إدارة الجمعيات الخيرية والمشاريع الصغيرة.
وقد قدمت الطالبان نصرها على طبق من الكرامة والشموخ لأحرار العالم ،مؤكدة على ما جاء في الكتاب الشريف والسنة النبوية من أن الإسلام قادم ،وبان الزحف نحو القدس قد حان ،وربما يبدأ بمبادرة من تلك الأيادي والعقول النظيفة التي فهمت الإسلام قولاً وفعلاً ،حتى أننا ما زلنا لا نعرف رئيسها ولا نميزه عن باقي أفرادها ،لذلك هي رفضت أن تتلون بأي صبغة لأي مستعمر ،وزادتها الأيام إصرارا وثباتا على تحقيق غاياتها واسترداد وطنها وكرامتها من المستعمر الذي حاول سلب دولتها وتسليمها للعملاء بطريقة الديمقراطية المزورة ،وبصناديق شارك في تشييدها وتسميمها القليل من العملاء.
وها هي الدولة التي احتضنت هؤلاء العملاء تظهر مرتبكة حتى أثناء إخلائها لهم ساعية لتوزيعهم على بعض مستعمراتها ،والعجيب بأن هذه الدول هي ممن ترفض استقبال الخبرات والكفاءات إلا ضمن سلسلة من الاجراءات الطويلة والمعقدة بينما نراها تستجيب وتفتح حدودها وثرواتها أمام هذه الاجسام المضادة للكرامة من العملاء المقاومين للحرية بعد أن خانوا أفغانهم وتجسسوا على أحرارها لصالح الإستعمار ،وسيتكرر هذا السلوك السيء في هذه الحواضن الجديدة الفاقدة لأدنى المعايير الوطنية والاستراتيجيات الأمنية والقومية حين تتشكل داخلها بؤرا للخيانة المكبرة تحت مسميات وعناوين دبلوماسية لا ينصاع لها إلا الضعفاء وقليلي الحيلة ،بينما تستمر طالبان في استثمار انتصاراتها والإحتفاظ بالفوز والأرض بصورة ديمقراطية ربما يكتب لها أن تكون من الأجمل بين الديمقراطيات ،فالإسلام هو منبع العدل والمساواة ،وهو المحافظ على حقوق المرأة والرجل والمنظم للعلاقة الوازنة بينهما.
وقد حمل نصر طالبان في طياته إشارات واضحة من الديمقراطية بنكهة الطالبان بعدما دخلت الحركة معظم الولايات بدون قتال بل بمبايعة من العشائر وقادة الجيش والأجهزة الأمنية ،وفرار الطواقم التي جاءت بها ديمقراطية المستعمر مع أننا لم نتفاجأ عندما أصدرت الطالبان عفوا عاماً عن المخطئين تيمناً بقول الرسول العظيم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” معلنين نصرهم بما تيسر من القرآن الكريم وبسورة النصر ،ولكن الخون لا يستطيعون العيش في دولة يسودها العدل والقانون وتمطر سمائها حرية ،لذلك هم يصرون على الهروب بحثاً عن مناخات مناسبة للعملاء والجواسيس بينما تواكب الطالبان تطهير بعض الجيوب الباقية منهم لتتفرغ بعد ذلك لبناء وإعلان ديمقراطية الطالبان والتي من المتوقع لها أن تقوم على أسس ومعايير من الشريعة الإسلامية الغراء فلا ديمقراطية داخل نطاق الأحكام الشرعية كما تفعل بعض تيارات الإسلام السياسي وأصحاب اللحى الذين اعتدوا على الأحكام الشرعية برعاية نفر من علماء السلاطين الذين باعوا دينهم وشعوبهم وكرامتهم لتأمين ملذاتهم ومصالحهم الضيقة ،وقد تجلت لنا أثناء كورونا عندما ألزمونا بفتاوى إجازت التعديل على الدين الحنيف ،واستمرت بعد وضوح المؤامرة وعودة السياحة لسابق عهدها بدون قيود ،بينما بقي الدين محتجزا كرهينة عند بعضهم.
المصدر: رأي اليوم
التعليقات