حقوق الإنسان وحرية الضمير في البلدان العربية (1)


في البلدان العربية الإسلامية كنا شرحنا حقوق الإنسان فيها، وما يتعلق بحرية الضمير والمعتقد في المجتمعات العربية الحديثة التي وإن كان بعضها قد أقام دستوراً علمانياً وقوانين علمانية مستقاة من التشريعات الحديثة.

إلا جلّ هذه الدساتير تعتبر الإسلام دين الدولة وبعضها يكتفي بالنص على ذكر أن دين رئيس البلاد هو الإسلام والنص على أن التشريع الإسلامي مصدر من مصادر القوانين، حيث سار الإسلام نحو الحرية الدينية على أسس سمحة، تكفل حقوق الإنسان وما أن استقر وتبينت الناس تعاليمه حتى أصبح واضحاً أن موقف الإسلام في موضوع حرية الأديان والمعتقدات يتجلى في مبادئ أربعة:
المبدأ الأول، حرية الاعتقاد الديني وتحريم الإكراه في الدين (ولعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث)، والمبدأ الثاني، حرية المناقشة الدينية، المبدأ الثالث، اشتراط اليقين والاقتناع في صحة الإيمان، والمبدأ الرابع والأخير، إباحة الاجتهاد في فروع الشريعة لكل قادر عليه، وبذلك تمت الممارسة في صدور الإسلام بالنسبة للبلدان المنفتحة التي أرست حقوق الإنسان إنطلاقاً من التعاليم الإسلامية.

لكن ما حدث بعد ذلك من خلافات سياسية واجتهادات في الرأي أدى إلى انتشار العديد من الأحاديث الموجهة للسلوك والأذهان، وأخذت الأطراف المختلفة تتذرع بما لديها منها لتوجه السلوك والأذهان، وأخذ الاستشهاد بها في الماضي والحاضر يفرض وجوده الطاغي على كل شيء، وعلى أساس ذلك أخذ العرب والمسلمون يكتبون التاريخ ويصنعون الاتجاهات ويحتكمون لهذه الأحاديث فيما بينهم، سواء كانت صحيحة أم ضعيفة، وأصبحت معارضة للسلطة السياسية، وبالتالي هنا كمن الخوف على حقوق الإنسان من الضياع وسط اجتهادات هؤلاء.

وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته إلى قف باب الاجتهاد وتجميد الفكر الإسلامي على آراء فقهاء أربعة من قبل السلطة الحاكمة وبالتالي استمر الجمود في البلدان العربية والإسلامية وخضعت لفترة غير قصيرة للاستعمار الأمر الذي جزأها إلى دويلات، وإن كانت الأفكار النيّرة في الماضي قد أشارت إلى قمع حرية الاعتقاد وإلى جمود عقل المؤسسة الدينية التي وإن لم تحكم في الإسلام مباشرة، فإن نفوذها لدى السلطة وفي المجتمع كاد أن يوفر لها أداة للتأثير، كفقهاء السلطان أو كهنوت السلطة الذين استطاعوا إلى حد ما إزاحة كل اجتهاد وفكر نيّر وبالتالي قمع حقوق الإنسان التي لم تعرف طريق الدفاع عن هذه الحقوق.

وقال الفيلسوف أبو العلاء المعري في استنكاره اضطهاد دين لآخر، لأن الناس متساوون في الأصل، ودعا إلى تقبل الاختلاف ما لم يقترن بالاعتداء وابتعد عن صراعات الطوائف وتجنب خلافات المذاهب الفقهية، داعياً إلى تحكيم العقل والمنطق بقوله:

فشاور العقل واترك غيره حكماً * فالعقل خير مشير ضمه النادي.

المصدر: الوكالة العربية للأنباء