الغباء السياسي


الغباء هو ضعف في الذكاء و الفهم و التعلم و الشعور أو الأحساس ، و ربما يكون السبب فطري أو مفتعل ، و يعرف الغبي في اللغة العربية بعدة القاب كالأحمق و المعتوه و الأبله و المغفل .
مع مرور الزمن تحول مصطلح  الغباء الى اسلوب تنقيص ، و وصف جزء من تصرفات أخطاء بعض الناس ، و في الغالب يكون ردود أفعال الشخص غير حميدة لأنه ليس بمريض .
و برز مصطلح الغباء السياسي في أواخر القرن الماضي كمصطلح جديد في عالم السياسة و في مصر تحديداً عندما أطلق الرئيس المصري السابق السادات هذا المصطلح على بعض السياسيين الذين حاولوا تقويض نظام الحكم من خلال ذهاب هؤلاء السياسيين المصريين الى أحد العرافين لمعرفة مصيرهم السياسي و أنتهى الأمر بأعتقالهم و أطلق عليهم الرئيس السادات عبارته المشهورة  (دول المفروض يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي ).
و في عالم السياسة يرتبط هذا المفهوم بالفشل السياسي في أدارة الازمات و نلاحظ عبر التاريخ الكثير من الفاشلين الذين تربعوا على سدة الحكم و لم يفلحوا في أدارة بلدانهم و تسببوا في كوارث كبيرة لشعوبهم ،  فالقائد السياسي يجب ان يتمتع بالذكاء و الحنكة و القدرة على التصرف بشكل صحيح بما يضمن مصالح الأمة و يحفظ حقوقها .
دأب الوصف للحكام العرب في القرن العشرين ومع تشكل الدول العربية فأن الوصف العام لهؤلاء الحكام اما بالغباء او العمالة و بالتالي أصبحت هذه البلاد من الدول المتخلفة التي يسودها الجهل و المرض و عدم الثقة بالنفس و الأعتماد على الأجنبي في تسيير كل امور الحياة حتى الأمور البسيطة.
و من الشواهد في السياسة العراقية المعاصرة هو سياسة الرئيس السابق صدام حسين و قراراته المتخبطة التي اوصلت العراق الى مراحل متدنية سواء سياسياً او اقتصادياً وأنتهت هذه السياسات الغبية بأحتلال العراق و تقديمه لقمة سائغة للدول الغربية التي انتهكت سيادته و سرقت ثروته وتاريخه و حضارته . و لهذا اليوم يدفع الشعب العراقي ثمن هذا الغباء السياسي  لنظام البعث المخلوع  رغم ماكان يسوقه من انه أفضل الأنظمة العربية و يقود العالم العربي  و لكن هذا التعنت و الأنغلاق السياسي ادى الى نتائج كارثية على بلد كان يمكن أن يكون في مصاف الدول المتقدمة .
و بعد عام 2003 اصبح نظام الحكم  في العراق برلمانياً . و توقع الجميع أن تكون السياسات الجديدة الدولة العراقية بمسار جديد و مختلف يتناغم مع النهج الديمقراطي في الدول التي اطاحت بنظام البعث في العراق ، إلا أن الظروف و الأشخاص الذين أستلموا زمام الأمور في العراق أدخلوا البلد في متاهات  جديدة و أصبحت سياسات فاشلة و ترقيعية نتيجتها الحكومات المتعاقبة في محاولة لتلافي حالات الفشل السياسي . و المشكلة لا تكمن في الأشخاص فقط و أنما عدم وجود وحدة قرار سياسي . وأصبح لكل زعيم سياسي وجهة نظر يريد فرضها على الأخرين حتى مع فشل وجهة النظر هذه . و فبالتأكيد كل القادة السياسين في العراق يدركون أنهم وقعوا ضحية الجهل السياسي و أعتمدوا على أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة في أدارة الدولة . و كانت القرارات و القوانين تخرج هزيلة ولا تستطيع معالجة الأخطاء بل تراكمت الأخطاء في كل دورة انتخابية و مع كل حكومة تزايدت الأزمات . و أصبحت هذه الطبقة السياسية الفاشلة هي التي تمتلك زمام الأمور و تصدر القرارات الخاطئة الواحد تلو الأخر لذلك لم يكن هناك حل واقعي لكل الأزمات التي مر بها العراق من 2003 و لحد الأن و في كل المجالات السياسية و الأقتصادية و الأمنية و الأجتماعية و تجد الدولة نفسها عاجزة أحياناً عن مواجهة المشاكل فتلجا الى حلول ترقيعية تزيد بينها و بين المواطن و هذا سبب عدم تفاعل المواطنين مع الحكومة و سياساتها لأنها تدرك (اي الجماهير ) ان هذه السياسات غبية و غير ناجحة و أنها تصب في مصلحة الطبقة الحاكمة فقط و لا تنظر الى القضايا الأستراتيتجة التي تهم البلد .
و اليوم في ظل السباق الأنتخابي للفوز بمقاعد بمجلس النواب نلاحظ هذه الظاهرة متفشية بين الكثير من المرشحين الذين ينطبق عليهم وصف الغباء السياسي فلا يمتلك هذا المرشح اي تاريخ سياسي و برنامجه الأنتخابي هزيل لا يملك افق و نظرة مستقبلية . و حى البرامج الأنتخابية هزيلة لا ترقى الى مستوى سياسي مرشح ان يكون عضواً في مجلس النواب و لا أعرف من الذي أقنع هؤلاء الأغبياء سياساً انهم يمكن ان يكونوا ناجحين في عالم السياسة و هو عالم واسع و متشعب له رجاله  المختصين و في هذا البحر الواسع .
للأ سف فانا  انظر الى البرلمان القادم بتشاؤم كبير و لا أرى اي أنفراج في العملية السياسية اذا أنتجت جيل من السياسيين الأغبياء الذين سيكونوا أعضاء في مجلس النواب القادم ، ومصيبتنا أعظم أذا ما تحكم هؤلاء في مصير البلد ومقدراته.