إشكال التعاطي الإعلامي والسياسي حول استهداف الطراد الروسي (موسكفا)
أيّها السادة القراء: إن التحليل السياسي علم له أسسه وقواعده ومناهجه وله أهدافه ، والأهم أن هذا الفرع من العلوم نسبي وليس مطلق أي عكس ما توحي به تحليلات العاملين في المجالات الإعلامية والسياسية والعسكرية الذين أساؤوا كثيراً إلى هذا العلم ، لذا من أبسط قواعد هذا العلم عدم إخراج الإحداث عن طاقتها الاستيعابية من التفسيرات الدائرة حولها، والأهم وجب احترام هذا العلم وعدم إظهاره وكأنه تنبأ بالغيب هذا الأمر الذي لا يحيط به بشري بعلم محدود والسلام عليكم.
من الطبيعي استثمار الحدث السياسي إعلامياً وسياسياً واستخباراتياً لا سيما في مجال الحرب النفسية التي باتت عنوان حروب العصر هذه الحرب التي تنتمي إلى الجيل الخامس من الحرب حسيب ترتيب أجيال الحروب.
ما حدث بعد استيلاء الروس على ميناء ماريبول ذو الأهمية الاستراتيجية وقوع حادث في أحد الطرادات الصاروخية الشهيرة تاريخياً العسكري العريق في روسيا، ليخرج بعض المحللين مقدمين الحدث على أنه نقطة تحول نوعية في مسار العمليات العسكرية متناسيين أحداثاً أهم منه بكثير ولا أدل على هذا من تهديد روسيا لإستونيا التي تقدم s300 للجيش الأوكراني الأمر الذي يفترض ردة فعل عنيفة روسيا في وقت نرى في يومياً أعداداً هائلة من أفراد الجيش الأوكراني تستسلم طواعية للجيش الروسي.
وحسب وسائل الإعلام الأوكرانية أن استهداف موسكفا كان كمين أوكراني محكم: ” كان أسطول البحر الأسود الروسي يقوم بأعماله الدورية في البحر الأسود ، لوحظ على شاشة الرادار اقتراب مسيرة أوكرانية من طراز بيرقدار من المجال الجوي للطراد قرب سواحل أوديسا، و بينما كان طاقم موسكفا يلاحق البيرقدار ، اقترب أكثر من اللازم من نطاق الدفاعات الساحلية الاوكرانية، لينطلق صاروخين من شواطئ أوديسا باتجاه الطراد موسكفا و ينجحان بإصابته على الجانب إصابة بليغة ، مما اضطر الطاقم لإجراء مناورة حادة لمنع الطراد من الغرق ، و بسبب وجود احتمال كبير لانفجار الذخيرة داخل حواضنها على الطراد ، قامت البحرية الروسية بإجلاء طاقم موسكفا المكون من حوالي 500 فرد.
أما الرواية الروسية: خرجت اليوم لتؤكد أن هناك خطأ تقني أدى للحريق، ولم تنفجر الأسلحة على متن الطراد، ووصل لقبالة شبه جزيرة القرم، ولم يصب أحد، وهذا صحيح وفي ذلك تتجنب مصدر فخر الصناعات العسكرية الروسية الإحراج أمام الرأي العام العالمي، ليبقى ما أثارته أوكرانيا مجرد استثمار إعلامي غرضه التأثير النفسي على المعنويات لا أكثر.
وبالنسبة للآراء القائلة بأن ما حدث ” ضربة قوية و مؤثرة بمسار الحرب ، قد تتحول إلى ضربة موجعة جداً للبحرية الروسية خاصة وللجيش الروسي عموماً إذا ما غرق الطراد موسكفا بالبحر الأسود” ( منقول)، أقول هذه أفة التحليل السياسي عندما نسرع لتعبئة الزوايا الإعلامية، ولا ننتظر حتى تكتمل الصورة لأن الأحداث سلسلة متكاملة ، كما أن للمشهد الأوكراني معالمه من جهة وللعملية العسكرية في أوكرانيا ضوابطها بدليل عدم استهداف المدنيين، التدرج في العملية، التركيز على مناطق بعينها، المضي بالحلول السياسية إلى جانب العملية العسكرية.
ومن باب الإنصاف لو حدث شيء مأساوي للطراد لكانت الجهة المنفذة بالتأكيد غير أوكرانية وانا شخصياً أعتقد جازماً بوجود قوات عسكرية واستخباراتية تدير العملية على الأراضي الأوكرانية ولكن لماذا الاستغراب ؟! وما القوة في هذا التحليل؟!! فهذا نهج استخباراتي وعسكري لأمريكا وحلفائها وله إيجابيات بالنسبة لها أولها تجنيبها الزج المباشر لها والأدلة كثيرة منها ما حصل في الشرق الأوسط خلال فترة “الربيع العبري”.
السؤال الذي يطرح نفسه: على فرض غرق الطراد ماذا ستجني أوكرانيا وحلفائها من غرقه؟
أقول بكل ثقة لا شيء، العملية العسكرية مستمرة، ورود الفعل الروسية مضبوطة لا توقعها في فخ الرد العنيف واستجرار الرد العسكري العالمي ، واسطول البحر الأسود لا يتأثر بغرق طراد وإن كان رمز لقوة وفخر صناعة، الأهم ميناء ماريوبول في أيدي روسية وعصائب أزوف في طريقها للدحر، وروسيا قوية شاء من شاء أو أبى من يأبى.
التعليقات