مؤشّرات السّقوط الأمريكيّ.. حرب باردة مع الصين.. نظام مالي بديل


لعلّ كثيرين لم يعيروا اهتماماً لما أشرت إليه قبلاً في مقال سابق بعنوان : ” هل الكورونا مؤشّر لانهيار النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ؟!” بتاريخ 31/3/2020م في الوكالة العربيّة للأخبار ، وما ذكرته في الإعلام الرّسميّ السّوريّ وأشرت لتغيير اقتصاديّ عالميّ نتيجة تفشّي وباء الكورونا في مختلف دول العالم بلا استثناء ، ولا أستبعد أن يكون الكورونا بداية حرب عالميّة ثالثة سلاحها بيولوجيّ من جهة واقتصاديّ نفطيّ من جهة ثانية ، وذكرتُ حالة الانقسام الأمريكيّ عندما حمّلتِ الحكوماتُ الأمريكيّة المحلّيةُ النّظامَ الفيدرالي الأمريكيَّ المسؤوليةَ عن حالات الموت الجماعيّ التي أصابت عدداً من الشّعب الأمريكيّ في بعض الولايات الأمريكيّة ، مشيراً لإمكانية احتلال الولايات المتّحدة المرتبة الأولى في عدد الإصابات على مستوى العالم ، وبيّنتُ الخسائر المتلاحقة التي تهدّد النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ، وحالة الرّكود الاقتصاديّ التي تعصف به ، وإمكانية تراجع الدّولار وتشكُّل حالة ركود اقتصاديّ عالميّ يؤدّي إلى تشكّل بنية اقتصاديّة عالمية جديدة لتأتي تلك الرّؤيا التي قدّمتها متطابقةً مع ما صرّح به السّيّد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق في يوم السّبت 4/4/2020م عبر مقال له في صحيفة ( وول ستريت جورنال ) بأنّ جائحة كورونا ستغيّر النّظام العالميّ للأبد ، وتطابقتِ الرّؤى في تأثير كورونا اقتصاديّاً وسياسيّاً على العالم برمّته ، بما يؤدّي إلى إشعال العالم عندما أشار إلى حالة الانقسام الأمريكيّ حاليّاً ، ودعا قادة العالم إلى مهمّة أخرى تترافق مع مواجهة الوباء ، وتتمثّل في إطلاق مشروعٍ موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا ، مؤكّداً أنّه لا يمكن لدولة منفردة أن تتغلّب على الفيروس بجهد وطنيّ محض ، ولا بدّ من وضع رؤيا وبرنامج لتعاونٍ دَوْليّ لمواجهة الأزمة ، وبالتّالي : فإنّ ذلك الوباء سيكون مؤشّراً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينتهي فيها النّظام العالمي الحالي ذو القطب الواحد الموحَّد الرُّؤى بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وسيشهد العالم نظاماً متعدّد الأقطاب ، وربّما أنّ الوقت قد حان لتتزعّم الصّين العالم ، وتكون الصّين وروسيا قوّتين في مواجهة الولايات المتّحدة الأمريكيّة اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ، وربّما هذا ما سيخلق إشكاليّة حقيقيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة في نزوع روسيا والصّين لتزعّم قوى إقليميّة وعالميّة جديدة ، ويكون دورهما استراتيجيّاً ومؤثّراً في العالم في مرحلة لاحقة ، وأعتقد أنّه لن يطول أمد ذلك ليظهر بوضوح وجلاء خصوصاً بعد حالات الفشل الأمريكيّ والانقسام التي تمّت الإشارة إليها ، وكان تأسيس منظومة دول البريكس ( brics ) عام 2009م مع انعقاد أول اجتماع لرؤوسائها ضمن الأراضي الرّوسيّة في مدينة ( ييكاتيرينبرغ ) ، والهدف تأسيس نظام عالميّ جديد ثنائيّ القطبيّة ، وتشكيل نظام اقتصاديّ متعدّد الأقطاب ، يكون مؤثّراً في رسم السّياسة العالميّة الجديدة ، وله القدرة على الصّمود في وجه ما يعتري العالم من أحداث اقتصاديّة عالميّة ، والعمل على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للإسهام في نموّ الاقتصاد العالميّ وتعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح تلك الدّول المشتركة .

ومن المعلوم أنّ دول البريكس أنشأت بنكاً جديداً موقعه في شنغهاي الصّينيّة سمّي ” بنك التّنمية الجديد ” وصندوقاً أُطلِق عليه ” صندوق بريكس ” ،  وهما يماثلان البنك الدّوليّ وصندوق النّقد الدّوليّ ، وربّما كان الهدف غير المعلَن لذلك التّأسيس _ وهو هدف بعيد المدى _ يتمثّل في إنشاء مؤسّسة دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحاليّة ، أي : البنك الدّوليّ وصندوق النّقد الدّوليّ ، لتحرير العالم من قيودهما وتأثيراتهما ، وما من شكٍّ أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تسيطر عليهما في رسم سياستهما العامة بما يخدم مصالحها ، ولعلّ من الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ دول البريكس تمتلك خمس النّاتج القوميّ العالميّ ، وبات نشوء البنك والصّندوق الدّوليين الجديدين أكثر جذباً لرأس المال الدّوليّ ، وهذا ما يسهم في القدرة التّنافسيّة المتصاعدة ، وإنّ أسواق دول البريكس ستكون بالتّالي أكثر حرصاً على اجتذاب رؤوس الأموال العالميّة بما يرسم سياسة عالميّة اقتصاديّة جديدة تؤسّس لنظام عالميّ جديد ،  ولعلّ ما نشهده اليوم وفي ظلّ العقد الماضي واستعمال ( الفيتو ) الصّينيّ _ الرّوسيّ المزدوج بما يخدم مصلحة سورية يعدّ تأكيد وجود تلك الدّول في محاولتها لرسم معالم العالم الجديد ، وبما يخدم تطبيق القانون الدّوليّ واحترامه واحترام ميثاق الأمم المتّحدة واحترام شعوبها ، ولعلّ من شبه المؤكّد أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة لن تسلّم بالتّغيير بسهولة ، وجاءت الأحداث التي تعصف بها الآن لتمثّل بداية انهيار العالم القديم ، وربّما نشهد فترة انتقال رأس المال الأمريكيّ إلى تلك الدّول لإحداث تغييرات عالميّة متسارعة تصبّ في مصلحة دول البريكس ونموّ اقتصادها المتسارع بما يلبّي تغييرات منظومة الاقتصاد العالميّ الحالي لبناء اقتصاد عالميّ متعدّد الأقطاب ، وهذا ما تسعى له دول البريكس ، وأعتقد أنّ أصحاب رؤوس الأموال العالميّة وخصوصاً الأمريكيّة سواء عائلة روتشيلد أم روكفلر أو أستور أو روك فيللر وغيرها من عائلات متحكّمة بالاقتصاد العالميّ قد عرفوا أو أدركوا أنّ مركز الثّقل الاقتصاديّ القادم يتّجه شرقاً خصوصاً ودول البريكس عموماً ، ولاحظنا أثر حرب الأسعار في الاقتصاد الأمريكيّ ، فهل ستسلّم الولايات المتّحدة بهزيمتها أمام تعاظم الدّور القادم لدول البريكس ؟! وهل تستطيع دول البريكس كسر الهيمنة لمجموعة الثّماني الكبار العالميّة ؟!.

وإذا أردنا أن نتبيّن أنّ هناك حرباً _ وإنّي أستبعد مواجهة عسكريّةً أمريكيّةً روسيّةً صينيّةً _ لكن يمكن أن نطلق عليها حرباً باردة بين الصّين والولايات المتّحدة الأمريكيّة ، فنستطيع أن ننطلق ممّا قاله وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق هنري كيسنجر في الثّاني من تشرين الثّاني الماضي في العام الماضي :

” إنّ واشنطن وبكّين على أعتاب حربٍ باردةٍ عبر صراعٍ بينهما أشدّ وأسوأ من الحرب العالميّة الأولى “، فقد بدأت الحرب الباردة بينهما بأسلوب تجاريّ ، وانتقلت بعدها لتأخذ بُعداً عسكريّاً ، عندما تمّ تزويد تايوان بأسلحة متطوّرة ، وبالتّالي : فقد بدأت تلك الحرب بينهما فعليّاً مع وصول الرّئيس الأمريكيّ ترامب إلى البيت الأبيض نتيجة التّوسّع الصّينيّ بجانبيه الاقتصاديّ والعسكريّ في مختلف أنحاء العالم ، ولعلّ ما أقلق تلك العلاقة الصّينيّة بكلّ من كوريا الشّماليّة وفنزويلا ، أي الخاصرة الأمريكيّة ، وسعى الزّعيم الصّينيّ ( شي جين بينغ ) أن تصبح الصّين في المرتبة الأولى من حيث القوّة الاقتصاديّة عالميّاً بعد  تسلّمه السّلطة لتحلّ الصّين محلّ الولايات المتّحدة ، وهذا بطبيعة الحال يقلقها ، وأخذت تلك الحرب بينهما شكلاً جديداً وأسلوباً يختلف عن الأساليب التّقليديّة عبر حرب بيولوجيّة يكون العِلم فيها والتِّقْنياتُ الحديثة والبحث العلميّ أحدَ أسلحتها في تدمير الاقتصاد .

وإنّها تتميّز بتكاليفَ بسيطةٍ مقارنةً بغيرها العسكريّة أو الكيميائيّة أو النّوويّة ، وتستطيع قتل الآلاف أو الملايين في أيّ هجوم بيولوجيّ ، وسيكون للحرب الباردة أثرها الإقليميّ والدّوليّ العالميّ ، وقد سبق لي أن أشرت إلى تلك الحرب في الإعلام العربيّ الرّسميّ السّوريّ وغيره ، وكان منها بتاريخ 16/2/2020 وفي ( رأي اليوم ) بتاريخ 12/5/2020م ، وربّما يشهد العالم أفول نجم الدّولار الأمريكيّ وبزوغ اليوان الصّينيّ ، وقد نشهد العملات الرّقميّة بديلةً للورقية المعمول بها حاليّاً ، فهل سنشهد أيضاً هجرة لرأس المال الأمريكيّ أو العالميّ عموماً لدول البريكس وبنكها وصندوقها ؟! فمَن يستطيع الصّمود أكثر الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاؤها أو روسيا والصّين وحلفاؤهما في المرحلة القادمة ؟!.

وبرأيي :

قد يُفاجَأ العالم بسقوط الولايات المتّحدّة كحال الاتّحاد السّوفيتيّ السّابق ، فنلاحظ أنّ رئيساً يترنّح وبلداً يتمايل اهتزازاً فيتصدّع داخليّاً بفعل معطياتٍ وعواملَ متعدّدةٍ كثيرٌ منها داخليّ وبعضها خارجيّ ، وهذه الصّورة تماثل تلك التي رأيناها في الاتّحاد السّوفيتيّ سابقاً قبل انهياره أو سقوطه ، إذ لا يبدو الأمر مختلفاً وكأنّ رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة حاليّاً كان مطلوباً منه العمل على تفكيك العملاق الأمريكيّ لإحداث تصدّعات داخليّة في الجسد الأمريكيّ ، وهذا ما سيترك آثاره في العالم ، وربّما يكون انطلاقة العالم الجديد والبوابة للعبور باتّجاه ذلك العالم الذي بدأت معالمه ترتسم في الأفق سواء في الدّاخل الأمريكيّ أم الخارجيّ ، فهل نرى إعادة البناء الأمريكيّ على يد الرّئيس الأمريكيّ المنتخَب جو بايدن أو نرى ثورة إيديولوجيّة جديدة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة تختفي فيها الهيمنة الأمريكيّة أو التّسلّط الأمريكيّ والدّور الذي كانت تقوم به قد أفل وانتهى لتظهر من خلالها بصورة تختلف فيها عن الصّورة الحاليّة لها ، وتكون الأحداث قد هيّأت لدخول العالم عصراً جديداً ورؤىً مغايرةً للواقع الحاليّ ؟! ، وقد نرى إعادة رسم الخارطة السّياسيّة في المنطقة العربيّة وأعتقد في العالم انطلاقاً من اتّفاقيّات التّطبيع أو السّلام العربيّة والإسرائيليّة والتي ستكون سورية طرفاً رئيساً فيها .

المصدر: رأي اليوم