استقالة الوزير فضحت سبب التشوه الاقتصادي في العراق


في بداية تشكيل الحكومة عام 2020 بعد تظاهرات وفوضى وكثير من الاحداث، كان الهدف من تشكيل الحكومة آنذاك هو تسيير نقطتين أساسيتين وهما أولا الحفاظ على الامن والنقطة الثانية هي اجراء انتخابات مبكرة.

رغم ذلك قدمت الحكومة خطة خمسية لانتشال الواقع الاقتصادي المتهالك، خصوصا ان وقت تشكيل الحكومة كان العراق والعالم من ازمة اقتصادية خانقة وكساد كبير بسبب جائحة كورونا والذي جعل برميل النفط في أدنى مستوى له.

العراق هو دولة ريعية ويعتمد على الإيرادات النفطية بنسبة 95% في موازنته الاتحادية، لذلك ذهب الى الاقتراض والاعتماد على سحب ارصدته من العملة الصعبة، فقدمت الحكومة ورقة إصلاحية سمتها بالورقة البيضاء، كانت خطوة جيدة رغم كثرة المؤاخذات التي شابها، لكن سارعت نفس الحكومة بإصدار قرارات وقامت بخطوات هي بالضد ومخالفة للورقة البيضاء.

كان عراب تلك الورقة الإصلاحية البيضاء هو وزير المالية المستقيل، لكن لم ترى النور طبقت فقرة واحده منها وهي تقليل الترهل الوظيفي بالقطاع العام في موازنة عام 2021 لكن رجعت الحكومة مرة أخرى وضربت الموازنة والورقة البيضاء في الحائط حينما قامت بتعيين الالف وبالتالي زيادة العبء على الموازنة الجارية في خطوة منها لتقليل البطالة ولم تذهب الى حلول استراتيجية أخرى ومنها خلق فرص عمل للخريجين لا خلق وظائف في القطاع العام.

في زمن الحكومة الحالية ظهرت عدة مشاكل اقتصادية وفساد مالي كبير وكذلك زادت من معاناة المواطن الفقير حينما قامت هذه الحكومة برفع قيمة الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، وهذا رفع من قيمة السوق بنسبة 23 % وزادت من نسبة الفقر في المجتمع العراقي بحدود 10 %.

واخر موضوع للفساد هو عقد شركة بوابة عشتار التي كانت مخالفة للقوانين والتعليمات الحكومية دون ان نرى أي عقوبة طالت الذين كانوا السبب في تلك الصفقة المشبوهة، لا بل العكس حيث تم نقل المدير العام المصرف الى مدير عام في وزارة المالية بموقع اخر، أي ان الوزير لم يعاقب ذلك المدير رغم ثبوت تقصيره حسب تقرير الدائرة القانونية لوزارة المالية.

في كتاب استقالت الوزير المتكونة من تسع صفحات، أشار الى الأسباب التي دعته الى تقديم استقالته وتضمنت أسباب كثيرة ولعل أهمها التي اوجزها في الصفحة السادسة من كتاب استقالته وهي قضية فساد عقد شركة بوابة عشتار والتي أوضحت للقاصي وليس الداني ان الجهة التي تقف خلف الشركة كبيرة جدا ومتغلغلة في كل مفاصل وزارة المالية وعبر عن تلك الجهة بـ (تعمل شبكات سرية واسعة مع كبار المسؤولين ورجال الاعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في الظل من اجل السيطرة على قطاعات كاملة في الاقتصاد) ، هنا وضع اصبعه على الجرح ووضح من كان سبب في التدهور الاقتصادي الذي يعيشه العراق والذي جعله ينحدر وبشكل كبير نحو الهاوية رغم التحسن الكبير جدا في أسعار النفط، ​ وبين أيضا ان الفساد لا يقف خلفة مسؤول فاسد بل كبار السياسيين الذين لم يذكرهم الوزير واعتقد ان السبب هو للحفاظ على سلامته.

واعتقد ان السبب الاخر الذي دفع الوزير للاستقالة هو كتاب مكتب رئيس الوزراء في سحب صلاحية الوزير من مهامه الرئيسية في عملية الصرف عن طريق الموازنة، فسي حال وجود موازنة وقانون الامن الغذائي الطارئ الان لأنه شرع بدل الموازنة، ونقل تلك الصلاحية لشخص لا يمت للموضوع باي صله ولا من ضمن اختصاصه الذي شرعة القانون من عملية تنسيقية وإدارة ومتابعة مقررات مجلس الوزراء، وهو الأمين العام لمجلس الوزراء.

ان تقديم استقالة في حكومة مستقيلة دستوريا (المادة -64-ثانيا، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ويواصل تصريف الأمور اليومية) وكان المفروض ان يقدم اعفاء لأنه مستقيل.

المهم يوجد تخبط كثير والسبب في ذلك هو التدخل من أحزاب هي مسيطرة على الوضع السياسي والاقتصادي مما يجعل المسؤول بين كماشتين وهما ان يرضخ ويقبل لتمشيه صفقات تلك الجهة او ان يقدم استقالته ويترك المسؤولية، فلا سياسي كبير يبقى في منصبة دون ان تقف خلفة جهة تسنده لكن بالمقابل انه سوف يقوم بتمشيه أمور تلك الجهة من عقود وتعيينات.

ان استقالة الوزير تفضح الحكومة الحالية من جهتين، الأولى ان حجم الفساد فيها أصبح خارج السيطرة ومن غير الممكن السيطرة علية، الثاني ان جهات تقف خلف ذلك الفساد ومن غير الممكن ايقافها او تقليل نفوذها.

توجد ملاحظة مهمه وهي ان ظاهرة استقالة المسؤولين كثرت بعد عام 2003 وهي ان كل مسؤول يتهم بالفساد فانه يقدم استقالته بدون ان تتم محاسبته وهذه الظاهرة هي نوع من أنواع الفساد وذلك لعدم محاسبته وهنا سيكون المتهم هي الجهات الرقابية ومن بينها مجلس النواب وهيئة النزاهة.