هل يزداد المطبّعون فقراً وفساداً؟
يأتي التطبيع لجعل ما هو غير طبيعي طبيعي ويعتبر قرار التطبيع من أخطر القرارات التي اتخذتها بعض الدول ،وتكمن خطورته في أن بعض تلك القرارات لم تمر في مراحل صنع القرار الصحيحة بل كانت منفردة ومفاجئة في بعض الأحيان بدليل استقالة وزير الخارجية المصري آنذاك.
ولم يكن العدو الصهيوني قادراً على فرض التطبيع مع بعض الدول العربية لولا الدعم الأمريكي والغربي لهذا المشروع الذي يعد بمثابة تنازل عن الأرض العربية المحتلة وعن مسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام ،فبعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر قدّم المعنيون في المخابرات الأمريكية تقريرا عن الزعيم اللاحق ووصفوه بأنه ليس لديه أي خبرة وأوصوا بالتدخل السريع لعجنه وتشكيله بالطريقة التي يريدونها ،فاختاروا العالم الأمريكي روجرز وهو صاحب نظرية الموقوف و ضرورة عزله لمحاكاة عقله الباطن ،ووفقا لما صدر عن روجرز قبل وفاته عام ١٩٨٧ فقد قرروا تعيين هذا العالم في الجامعة الأمريكية في القاهرة ليقوم بالمهمة ،واتخذوا جميع الإجراءات لترتيب لقاء له مع الرئيس المصري في تلك الفترة ،وسعى هذا العالم لإقناع الرئيس بأنه مبدع وعبقري وينبغي له أن يبتكر شيئا جديدا ،وأن لا ينصاع إلى من دونه وبعدها انتقل لمرحلة إقناعه بزيارة إسرائيل لتكون له بصمات ابداعية فريدة في هذا العالم وفعلا نجح في مهمته ،وكانت تلك الخطوة هي بداية انشقاق العرب وتمزقهم فنقلت الجامعة العربية آنذاك إلى تونس ،فاليهود مجربون من أيام الرسول العظيم ومتخصصون في نقض العهد وفي النفاق ،ونشر الفتنة والرذيلة بين الناس ،فمنهم من كان يتخفّى بهوية الإسلام ،ويصلي خلف الرسول عليه الصلاة والسلام لتمكين اليهود من تنفيذ مخططاتهم. وقد رافق التطبيع موجة من الإعلام العربي و الغربي الكاذب الذي ضلل الشعوب وأوهمهم بأن التطبيع يؤدي لتنمية المجتمعات بينما واقع الحال أثبت بأن بعض الدول التي قبلت بهذا المسار ازدادت فقراً وأصبحت بيئة خصبة لمشاريع التجسس اليهودي وعمل شبكات الموساد بأريحية ملحوظة خصوصا بين الطبقات السياسية ،لذلك نرى الفساد بدأ ينتشر بين هذه النخب المطبعة وفقاً للبرامج والخطط التي أعدها جهاز الموساد مما أودى بسرعة لقتل اقتصادات تلك الدول ،وأصبحت بعض الطبقات السياسية العربية تزدحم بالعملاء بعد أن تشكلت عند بعضهم قناعات بأن التعاون مع الموساد هو الموصل السريع لبعض المواقع الحساسة ،وكانت نقطة ضعف هذه الدول بقبولها مبدأ التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني والجلوس معه في غرف عمليات مشتركة في أكبر عملية اختراق عميق للأمن القومي العربي.
ولم نستفد درساً من الفيتناميين عندما وافقو على التفاوض مع الأمريكان وسافر وفد التفاوض الى فرنسا وأقام الوفد في سفارتهم حيث أرسلت أمريكا وفدا من السفارة الأمريكية في تلك البلد لدعوة الوفد الفيتنامي للعشاء لكي يتم اختراقهم ،إلا أن الوفد الفيتنامي كان يعي جيدا تلك المخططات ورفض حتى الجلوس معهم على طاولة العشاء لأن لذلك ما بعده ،وهذا هو الشكل الإيجابي للتفاوض الذي يضمن نتائج لصالح الدولة بعكس ما حصل في اوسلو من انفتاح سريع وغير مبرر على العدو الصهيوني.
وما زال العرب يجربون المجرب ،وكما لاحظنا من موجة التطبيع الأخيرة التي تنازلت عن مبادرة السلام العربية بل ألغت فكرة الأرض مقابل السلام ،واستعاضت عنها بالسلام مقابل السلام ،بينما هي دول ليس لها حدود مع الكيان المحتل ولكن الإملاءات الأمريكية والغربية كانت أقوى بكثير من الأمن القومي العربي ومن تهويد القدس وضم الجولان ربما لفتح بعض الميادين أمام مشاريع التجسس على هذه الأمة لصالح أجهزة الاستخبارات الغربية ،ففي الوقت الذي تنوي فيه روسيا وقف نشاط الوكالة اليهودية على أرضها وتفعل منظومة الدفاع الجوي اس٣٠٠ لحماية الأرض العربية السورية من اسرائيل نلحظ بعض العرب يتراكضون لتنفيذ الأجندات الصهيونية ،ولولا العملاء لما تمكن الصهاينة من احتلال القدس الشريف فالموساد وصل إلى فلسطين تحت عناوين تنظيم الهجرة قبل قدوم الكيان المحتل ،وبدأ التخطيط والتغلغل بين ضعفاء النفوس ولاقت تلك الخطط استحسان العملاء من العرب ،فجاءت المهمة أسهل مما خطط لها ،وربما يكمن الخطر الأعظم على هذه الأمة بتزايد عناصر الطابور الخامس من سلالة عبدالله بن أبيّ بن سلول زعيم ومؤسس النفاق والذين ينتشرون على وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي ويتوزعون على مجموعات الوتس أب لتنفيذ الأوامر والواجبات عند الطلب علماً بأن من يسمّن كلبه يأكله في النهاية وينقلب عليه.
فتحرير القدس لا يمكن أن يكون بالتطبيع والاستسلام والتنسيق مع عدو يقتل ويهجر ويخلق التوترات في المنطقة حتى أنه ينقلب على حلفائه وأعوانه عندما تستدعي مصالحه ذلك ،وإنما من خلال إعادة الأرض العربية المحتلة لأصحابها وتنفيذ قرارات الشرعية الأممية بهذا الخصوص ونترك الإجابة على سؤال هل أعلاه إلى مواطني تلك الدول المطبعة أو المتأوسلة بعد أن حل بهم ما حلّ من فقر وفساد وقتل لاقتصاداتهم ومواردهم وعدم استعادة شبر من أراضيهم.
حفظ الله أمتنا العربية والإسلامية.
التعليقات