روسيا والتأسيس لتوازن جديد من أوكرانيا
تذهب مسارات الأحداث وتفاعلاتها أبعد من حدود الحساب المتصل بأوكرانيا ومستقبلها السياسي بعد العملية الروسية الجراحية، التي يبدي الرئيس بوتين تصميمه على تحويلها ميدانا، لتثمير خبرات مكتسبة والبرهنة على قدرات استثنائية ومهارات متراكمة تاريخيا.
بعض الخبرات الروسية المستجدة اختمر، وتشكّل بالتراكم قبل سنوات في الميدان السوري، ومن الحصاد السوري ما راكمه الشركاء الروس من مهارات في تعيين الأولويات واعتماد أساليب احتوائية والتفافية، عند اللزوم، لتفكيك العقد، وتجميد البؤر الخطرة، وتفريغ شحناتها للاحتفاظ بزمام التحكم بإدارة الصراع والقدرة على فرض المعادلات، وصياغة الخواتيم المواتية.
لن تكون الحرب نزهة، وهي لن تبلغ خاتمتها بسرعة بسبب ثلاثة عوامل:
1- الدعم الأميركي الأطلسي للخصوم بدافع إضعاف روسيا واستنزافها، سيؤثر على التوازن الواقعي للقوى العسكرية، وكذلك اقتصاديا وسياسيا واعلاميا، حيث يلقي الغرب بثقله للنيل من روسيا وإنهاكها.
2- إن الطابع الفاشي للقوة الأوكرانية المناوئة يعني أن المهمة ليست سهلة، بالنظر إلى القدرة التعبوية للفاشية التي تندمج في تكوينها نزعة شعبوية بالقومية المتطرفة، إضافة لتعميمها أساليب البطش التقليدية في السلوك الميداني، والتي ترفع كلفة الحرب بشريا وعمرانيا..
3- تلك الصورة ذاتها تستولد مناخا شعبيا روسيا وأوكرانيا جارفا باستشعار الخطر، وهي في هذه الحرب تحيي ذاكرة شعبية روسية مرتبطة بأمجاد الحرب الوطنية، وتمثّل حافزا للقتال وللنخوة والتحشيد، فترسّخ التماسك والالتفاف حول الرئيس بوتين وقيادته لحرب وطنية.
لن يتأخر استحضار ملامح المقارنة بين هذه الحرب وملاحم اجتثاث النازية من روسيا ومن القارة الأوروبية بما سطّره الشعب والجيش الروسيان من بطولات وتضحيات، وتلك الذاكرة والمآثر هي روسية أصلا، كما هي تعبير عن المجد السوفياتي المخلّد والمتبنّى رسميا في روسيا الراهنة، باعتباره ميراثا وطنيا ومفخرة للعظمة الروسية بجميع تعبيراتها.
الحصيلة التي سترتسم بالنتيجة، نرجّح أن تكون انتصارا روسيا، له كلفته، وما بعده نرتقب نهضة روسية ومسارا جديدا في إعادة ترتيب المحيط والجوار القريب والمتشابك اقتصاديا وسياسيا، وربما إعادة بناء "المجموعة المستقلة" لتعزيز الروابط بين بلدانها، وتعميق الشراكات على نسق يحول دون تجديد العبث أو انبعاث الخطر. والقيادة الروسية مدركة لمخاطر التصميم الأميركي الغربي على استمرار المناوشة والمشاغلة، وتصيّد فرص الإنهاك واستثارة المتاعب.
إن ما يعنينا في الشرق العربي هو أننا أصحاب مصلحة أكيدة بالتضامن مع روسيا، التي وقفت الى جانب بلداننا دائما، ولاسيما الشقيقة سورية الدولة الفاعلة، التي تشكّل عصب منظومة إقليمية تحرّرية، بالشراكة مع الشقيقة إيران ومع حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، فكلّ قوة مضافة لروسيا هي قوة لمحورنا بفعل الترابط الاستراتيجي والمصيري، الذي عمدته دماء وتضحيات جزيلة وغالية.
النصر الروسي في هذه الحرب محتوم، ومهما كان مكلفا سوف تتكفّل القدرات الروسية والشرقية باحتواء الأعباء، والشريك الصيني، كما الحليف الإيراني معنيون بدعم الجهود الروسية لحسم الصراع وتصفية النتائج المحتملة لأيّ خرق او استنزاف.
التعليقات