تأثير مواقع التواصل الأجتماعي على تفكير الشباب العربي


تمثل مواقع التواصل الاجتماعي البوم هاجساً كبيراً وتأخذ حيزاً كبيراً من وقت الشباب في عالمنا العربي ، حيث وجد أستطلاع أجراه مركز بيو للابحاث في عام 2018 وشمل نحو 750 من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13-17 سنة أن 45 ‎%‎ منهم متصلون بالإنترنت بشكل مستمر تقريباً ، و 97 ‎%‎ يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيسبوك وإنستغرام وسناب شات ، وهذا يشكل خطراً على تفكير هؤلاء الشباب حيث أصبح الشاب العربي في مقتبل عمره يتلقى الثقافة والأفكار من خلال هذه المنصات بعيداً عن الرقابة العائلية وبعيداً عن مصادر الثقافة الرصينة التي كانت مصدراً لهذه الثقافات ونقصد بها الكتب والصحف المطبوعة والدوريات.
فهناك مدونون شباب يتابعهم الملايين وأية فكرة تطرح على هذه المواقع تلاقي رواجاً كبيراً عكس مواقع المثقفين والكتاب واصحاب الفكر نجد ان متابعيهم على هذه المواقع من النخب عموماً وقد لا يتجاوز عددهم بضعة الاف في أحسن الأحوال.
وبذلك تكون مواقع التواصل الأجتماعي ذات تأثير سلبي على المراهقين من خلال تشتيت أنتباههم وتعطيل نومهم وتعريضهم للتنمر وتقبل الشائعات ونشرها من خلال هذه المواقع وتبني وجهات نظر غير واقعية أو لا تمت للواقع بصلة.
وهناك ترابط بين الأستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وظهور أعراض على مستخدمي هذه الوسائل مثل الاكتئاب والعصبية واللجوء الى العنف والتمرد على السلوكيات العائلية والسلوكيات العامة في المجتمع ، وأحياناً شعور بالإحباط وهذا يؤدي الى حوادث مؤسفة للأنتحار في أوساط الشباب كما يظهر بين فترة وأخرى على مواقع التواصل الأجتماعي.
وأيضاً لأن الشباب هم المستخدم الأكثر لهذه المواقع ونتيجة لطموحات الشباب يقومون بنشر صور وقصص شخصية للغاية ومواقف حميمية خصوصاً بين الفتيات مما يعرضهم الى حالات الأبتزاز الألكتروني حيث غالباً ما يقوم الشباب بنشر هذه المحتويات على مواقع التواصل الاجتماعي دون مراعاة هذه العواقب أو مخاوف الخصوصية.
الخطر الآخر الذي يداهم الشباب على هذه المواقع هو الحوارات الدينية والطائفية والنقاشات مع الشباب من ديانات أخرى ، حيث تتيح هذه المواقع دخول غرف الدردشة  او الحوارات في المجاميع المختلفة دون التهيؤ فكرياً لمثل هذه النقاشات ، وأستغلت التنظيمات الأرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات هذه المواقع في نشر أفكار منحرفة وبعيدة عن الثقافة الدينية وأستطاعوا من خلال هذه المواقع تجنيد العديد من الشباب للأنخراط في هذه التنظيمات بعد سيل فكري مركز يبث لهم من خلال هذه المواقع.
ولعل أخطر ما يكمن في هذه المواقع هو التأثير السلبي على تفكير الشباب في القضايا الأجتماعية والسياسية ، فمن خلال هذه المواقع تعمد بعض الجهات الى تسميم أفكار الشباب العربي من خلال أطلاق مواقع تهدم الفكر وتبث الرذيلة والأفكار الشاذة في المجتمع وتحفيز الشباب على التمرد على قيم المجتمع أخلاقياً وأجتماعياً وسياسياً.
وهذا الدور ظهر واضحاً في اظطرابات ما سمي ب( الربيع العربي) ، فمن خلال منصات التواصل الاجتماعي انطلقت شرارة الانتفاضات في عدة دول عربية ووجدنا عقلاً جمعياً جمع هؤلاء الشباب للخروج والتمرد على الأنظمة السياسية من غير أن يعرفوا مصدر هذا التوجه أو من يقف وراءه والاعداد التي خرجت كانت بالملايين.
وفي العراق كانت تجربة عام 2019 قاسية على المجتمع العراقي في خروج الشباب الى ساحات التظاهر في العديد من المدن وأيضاً كان الترويج لهذه التظاهرات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، وكانت الأهداف غير معروفة والشباب منساق عاطفيًا وراء الشعارات وتكبد البلد خسائر بشرية ومادية وكادت الأمور تذهب الى ما لا يحمد عقباه.
وأخيراً هل نحكم على مواقع التواصل الاجتماعي بالسلبية أم نحاول أستغلال هذه المواقع لتثقيف الشباب؟ 
الرأي الصائب والسليم هو أستغلال هذه المواقع نفسها والتي تجد رواجاً بين أوساط الشباب من خلال طرح أفكار إيجابية وخلق ثقافة وهوية خاصة لكل شعب من خلال استحضار العوامل الحضارية للمجتمع وبيان الحالات الجيدة والثقافة الأصيلة ، وهذا الطرح يكون من خلال مدونين شباب يحملون ثقافة عالية ومقبولية ومعرفة بكيفية مخاطبة عقول الشباب في المجتمعات العربية حتى يتم متابعتهم من أكبر عدد ممكن من الشباب العربي.
الواقع الذي نعيشه في ظل التأثير الكبير للأعلام الرقمي لا بد من الأعتراف بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من الحتميات في العالم العربي نظراً لأنتشارها المتزايد والإقبال الشديد عليها من الشباب العربي ، كما أنها خلقت بيئة أكثر ثراءاً في المحتوى المعلوماتي في العالم العربي ، ولكن مثلها مثل أي من الأختراعات الحديثة لديها من الإيجابيات والسلبيات ، العمل على نشر الوعي للحد من السلبيات والاستخدام الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي هو التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات العربية في المستقبل القريب.